باليد غالبا، فكل من اكتسب شيئا من المباحات بيده كان مسلطا عليه، مانعا لغيره من التصرف فيه بأنواع التصرفات، فاخذ بيده دليل على كسبه، وسبب للوصول إلى جميع انحاء التصرف فيه، هذه هي المرحلة الأولى من مالكية الانسان للأشياء الخارجية.
ثم انتقل الامر من اخذ الانسان العين الخارجي بيده إلى جعله في محل تصل يده إليه كلما شاء، ويمنع غيره عنه كلما قصده، وهذه هي المرحلة الثانية لها.
وحيث إن ذلك أعني جعلها تحت يده وفى حيطة تصرفه الخارجي دائما كان أمرا صعبا، لأن الملكية ما زالت تكثر وتزداد وتتنوع، وكان المالك كثيرا ما يغيب عما يملكه ولا يمكنه نقل جميعها معه أينما ذهب، التجأوا إلى أمر أسهل وأوسع منه، وهو جعلها في شكل آخر اعتباري، لا خارجي تكويني، فجعلوا لها صورة قانونية تشريعية لا واقعية تكوينية، ومن هنا نشأت الملكية والسلطة الاعتبارية، المعبر عنها باليد، وكانت هذه هي المرحلة الأخيرة للملكية.
فكانت اليد في شكلها الاعتباري القانوني دليلا على الملك كما كانت في شكلها التكويني الخارجي دليلا عليه بمقتضى طبيعتها الأولية.
ومن هنا تعرف انه لا يتفاوت الحال في أمر هذه الكاشفية بغلبة الأيدي المالكة على غيرها، مع ما في هذه الغلبة من الاشكال، لا لما ذكره المحقق الأصفهاني فقط من أن المسلم إنما هو غلبة (اليد غير العادية) (أعم من يد المالكية والوكالة والوصاية وغيرها) لا اليد المالكة.
بل لأن غلبة الأيدي غير العادية على العادية أيضا أمر غير معلوم، لا سيما في زماننا هذا، وكثير من الأزمنة السابقة عليه، فمن سبر التاريخ وعلم أحوال كثير من الملوك والخلفاء والامراء وفوضاكم في أموال الله وأموال الناس وخضمهم إياها خضم الإبل نبتة الربيع، واقتفاء تابعيهم - وهم الأكثرون ذلك اليوم - لاثارهم، ثم انتقال هذه الأموال، لا سيما الضياع والعقار، منهم إلى من بعدهم، جيلا بعد جيل، يعلم أن دعوى هذه الغلبة أمر مشكل جدا.