أصلا من الأصول العملية الا بمراجعة أدلة حجيتها وتنقيح مفادها، وحيث كان العمدة من بينها السيرة المستمرة بين العقلاء فلابد من تحقيق حال هذه السيرة ومبدئها، فنقول و منه عز شأنه التوفيق - إن كان منشئها الغلبة الخارجية فتكون القاعدة من الظنون المعتبرة والامارات العقلائية لا محالة، وإن كان الوجه فيها اقتضاء طبع العمل لذلك وان الفاسد على خلاف طبعه، حيث إن الفاعل بحسب دواعيه الخارجية لا يتوجه الا نحو العمل الصحيح عادة فإنه منبع الآثار واليه يرغب الراغبون كما عرفت بيانه وافيا عند ذكر الأدلة، فهذا أيضا يقتضى كونها من الامارات، اللهم الا ان يقال إن مقتضاها هي الصحة الفاعلية لا الصحة الواقعية فإن الذي يقتضيه طبع العمل بحسب دواعي العاملين هو الصحة عندهم لا الصحة الواقعية التي بنينا عليها الامر في هذه القاعدة، ومن هنا يسرى الاشكال إلى أساس هذا الوجه ويسقط بناء هذه السيرة على هذا الأساس.
ولكن يمكن دفع الاشكال بان مخالفة اعتقاد الفاعل للحامل وان لم يكن نادرا الا ان الأغلب اتفاقهما في موارد الابتلاء كما هو ظاهر لمن تتبعها، فالوجه في استناد سيرة العقلاء إلى اقتضاء طبع العمل هو ملاحظة الغلبة بهذا النحو.
ونظيره من بعض الجهات ما ورد في باب قاعدة الفراغ من التعليل بقوله (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) فإن الفاعل إذا كان بحسب الغالب حال اشتغاله بالعمل أذكر فالظاهر حاله انه يجرى على وفق دواعيه إلى الفعل الصحيح لأنه الذي يوصله إلى اغراضه، ومن البعيد اقدامه على فعل فاسد، فهو بحسب طبعه الأولى يتوجه نحو العمل الصحيح فالتعليل المذكور هناك يشبه ما أشرنا إليه هنا من اقتضاء طبع العمل للصحة، وإن كان الوجه في استقرار السيرة عليه لزوم الحرج و اختلال النظام على تقدير عدم حمل فعل الغير على الصحة، فالظاهر كونها من الأصول العملية التعبدية لأن المفروض عدم ملاك الا مارية فيها على هذا التقدير، بل لا يبنى عليها الا لبعض مصالح المجتمع.
وحيث قد عرفت ان الأقوى من هذه الوجوه هو الوجه الثاني فالأقوى كونها من الامارات، كما أنه ظهر بما ذكرنا اندفاع ما افاده (المحقق النائيني) في