ملكية نفس العين ليست موقتة بوقت، فكذلك ملكية شؤونها، فكما أن ملكية العين لمالكها ملك طلق ما لم يخرج عن تحت سلطنته بناقل قهري كالموت والارتداد، أو غير قهري كالبيع والصلح والهبة وغيرها، فكذلك منافعها، ولذلك تجوز الوصية بمنافع ملكه سنين لشخص مع أنه لا يملك جديدا بعد موته.
وأما حديث أنها قبل أن توجد ليست قابلة لان تتعلق بها الملكية، لان المعدوم غير قابل لان يكون معروضا لعرض خارجي أو أمر ذهني.
ففيه: أولا أنه من الممكن تعلق الغرض الخارجي كالإرادة - التي هي الشوق المؤكد - بالموجودات الخارجية قبل وجودها بتوسط الصورة الذهنية، التي هي مرآة للخارج، فالمرئي بالذات - بمعنى كون الوصف نعتا لنفس الموصوف، لا أنه وصف بحال متعلق الموصوف - وإن كان هي الصورة الذهنية، ولكن متعلق الحكم الشرعي واقعا وفي الحقيقة والمقصد الأصلي هو الخارج الذي هو محكي هذه الصورة الذهنية.
لان المصلحة والمفسدة قائمتان به، وإلا فالصورة الذهنية لا مصلحة ولا مفسدة لها، فالإرادة والكراهة لا تتعلقان بها إلا بالعرض. مثلا الصلاة تكون مطلوبة بوجودها الخارجي قبل أن توجد بتوسيط تلك الصورة الذهنية، وكذلك الامر في الكراهة، فتكون المحرمات مكروهة منفورة بوجودها الخارجي قبل أن توجد بتوسيط الصورة الذهنية.
وحيث أن مركز المصلحة والمفسدة هو الوجود الخارجي، وإلا فالصورة الذهنية لذلك الوجود الخارجي لا مطلوب ولا مبغوض، وعلى هذا بنينا امتناع اجتماع الأمر والنهي إن كان التركيب بين متعلقيهما تركيبا اتحاديا، وأجبنا عمن يقول بأن متعلق الأمر والنهي صورتان ذهنيتان كل واحد منهما غير الاخر، فلا يجتمعان في متعلق واحد كي يلزم منه اجتماع الضدين فيكون محالا.