(فرع) قال أصحابنا له دخول مكة راكبا وماشيا وأيهما أفضل فيه وجهان وحكاهما الرافعي (أصحهما) ماشيا أفضل وبه قطع الماوردي لأنه أشبه بالتواضع والأدب وليس فيه مشقة ولا فوات مهم بخلاف الركوب في الطريق فإنه أفضل على المذهب كما سبق بيانه في الباب الأول من كتاب الحج لما ذكرناه هناك ولان الراكب في الدخول متعرض لان يؤذي الناس بدابته في الزحمة والله أعلم * وإذا دخل ماشيا فالأفضل كونه حافيا لو لم يلحقه مشقة ولا خاف نجاسة رجله والله أعلم * (فرع) قال أصحابنا له دخول مكة ليلا ونهارا ولا كراهة في واحد منهما فقد ثبتت الأحاديث فيها كما سأذكره قريبا إن شاء الله تعالى وفي الفضيلة وجهان (أصحهما) دخولها نهارا أفضل حكاه ابن الصباغ وغيره عن أبي إسحاق المروزي ورجحه البغوي وصاحب العدة وغيرهما وقال القاضي أبو الطيب والماوردي وابن الصباغ والعبدري هما سواء في الفضيلة لا ترجيح لأحدهما على الآخر * واحتج هؤلاء بأنه قد صح الأمران من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم ترجيح لأحدهما ولا نهي فكانا سواء * واحتج من رجح النهار بأنه الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم في حجته وحجة الوداع وقال في آخرها (لتأخذوا عني مناسككم) فهذا ترجيح ظاهر للنهار ولأنه أعون للداخل وارفق به وأقرب إلى مراعاته للوظائف المشروعة له على أكمل وجوهها واسلم له من التأذي والايذاء والله أعلم (واما) الحديثان الواردان في المسألة (فأحدهما) حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال (بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله) رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم عن نافع (ان ابن عمر كان لا يقدم مكة الا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه فعله) وفي رواية لمسلم أيضا عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان ينزل بذي طوى ويبيت فيه حتى يصلي الصبح حين يقدم مكة) (واما) الحديث الآخر فعن محرش الكعبي الصحابي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (خرج من الجعرانة ليلا معتمرا فدخل ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت) رواه أبو داود والترمذي والنسائي واسناده جيد قال الترمذي هو حديث حسن قال
(٦)