كما أنه يرد عليه في الحكم بوجوب الحد على الراجع، بأن هذا باطلاقه لا يتم فإنه ربما لا يكون مقصرا في رجوعه.
ثم إنه قد يقال بأن حد القذف حق للغير ومن حقوق الناس جعله الشارع على القاذف للمتهم جبرانا لما أتلف القاذف منه من شرفه وجاهه ومروئته فهو نظير مال الغير الذي من أتلفه يكون ضامنا بلا تفرق بين المفرط وغيره والمتعمد والمخطئ وكما يجب على المتلف تدارك ما أتلفه المتلف وإن كان ذلك عن غير تعمد كذلك يجب الحد على القاذف إذا طالبه المقذوف بذلك وإن كان ذلك عن غير تقصير وتفريط. وعلى هذا فكيف يقال بأنه لا حد على الشهود لأنهم غير مفرطين، كما ذكر في المقام وكما عن الشيخ في الخلاف والمبسوط بالنسبة إلى الشهود فيما ردت شهادة أحدهم لمعنى خفي، وعنه في المبسوط بالنسبة إلى مردود الشهادة أيضا وكما عن العلامة في المختلف بالنسبة إلى الشهود لذا شهد ثلاثة من الأربعة وأبى الرابع، على ما تقدم، إلى غير ذلك من الفروع والمسائل.
وفيه الفرق بين حد القذف وباب الضمانات والحقوق المالية فإن الضمانات من قبيل التدارك للمال الذي أتلفه المتلف ولذا لا فرق فيه بين ما إذا تعمد في الاتلاف أو أخطأ أو أنه أتلف في النوم فالمال يقابل بالمال ويتدارك به وهذا بخلاف الحد فإنه ليس من الحقوق المالية يبدل بإزائها المال حتى يكون على المتلف بل هو عقوبة من الله تعالى على القاذف نظير عقاب الزنا لكنه بعدله وحكمته جعلها بيد المقذوف وموكولة بإرادته تداركا لما وقع عليه من الهتك نقصان الوجاهة والاحترام لقذفه بين الناس. فقرر سبحانه على الذي هتك عرض المسلم بالقذف أن يهتك عرضه باجراء الحد عليه وجعل أمره بيده فله الاستيفاء والعفو بمقتضى كونه من حقوق الناس، والعقوبة فروع التعمد فلا عقوبة مع عدم التفريط.
وأما عدم تصريحهم في المقام بأن حد القذف منوط بمطالبة المقذوف فأمره سهل لأن ذلك موكول إلى محله.