وأما مع حكمهم بوجوب الحد على الشهود مع نكول بعض منهم وإن كانوا عالمين بذلك فلا.
وعلى الجملة فهذه عويصة في الباب، فكيف يمكن الحكم بوجوب الحد على من أقام الشهادة مع إباء واحد منهم بعد ذلك، والحكم بوجوب أداء الشهادة وحرمة كتمانها وإن من يكتمها فإنه آثم قلبه (1)؟ ومعلوم أن الحكم بحد الشهود المطمئنين بعدم تخلف واحد منهم عن الأداء، أكبر ذريعة إلى عدم اقدام أحد على الشهادة.
فلو أمكن الاعتراض على الشهود فيما إذا شهدوا مع عدم حضور الرابع بأنه لماذا أقدمتم على الشهادة وقد رأيتم أن رابعكم لم يحضر، فلا يمكن هذا الاعتراض عليهم في المقام لأن الشهود كلهم حاضرون، والمقدم على الشهادة كان مطمئنا باقدام الباقي عليها أيضا، والحاصل أن الحكم بحد الشهود هنا مخالف بظاهره للقواعد الشرعية الثابتة.
وبعبارة أخرى إن الثلاثة الذين أقدموا على إقامة الشهادة مع حضور الرابع وتهيئه لذلك قد أقدموا عليها إقامة لأمر الله وإطاعة لواجبه تعالى و انقيادا لنهيه عن الإباء بقوله تعالى: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا (1) غاية الأمر أن الرابع قد عصى وخان أو خاف من أداء الشهادة أو لم يقمها لأغراض دنيوية فما هو تقصيرهم حتى يحدوا؟ وكيف يرضى الفقيه أن يحكم بحد من أراد إطاعة ربه؟
وعلى هذا فالمتجه هو قول العلامة أعلى الله مقامه ولا مناص عن الذهاب إليه، وحمل الأخبار حتى صحيحة قيس المذكورة آنفا على ما إذا لم يكن هناك اطمينان بتمام الشهادة وقيام الباقي بها، وإلا فتنافي حكم العقل، فإنهم إذا أقدموا على الشهادة اطمينانا بقيام الباقي أيضا فهم معذورون عقلا وكيف لا يكون العذر المقبول عند العقل مقبولا عند الشرع؟ نعم لو لم