من أوجب على نفسه الاعتكاف بنذر أو عهد، لا بد أن يتيقن براءة ذمته منه، ولا خلاف في براءة ذمته إذا صام، وليس كذلك إذا لم يصم، وأيضا قوله تعالى: * (و لا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * (1)، ولفظ الاعتكاف شرعي وله شروط شرعية على حسب الخلاف في ذلك، وعلى كل حال يفتقر فيه إلى بيان، وإذا لم يبينه سبحانه في الكتاب احتجنا في بيانه إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإذا وجدناه عليه السلام لم يعتكف إلا بصوم، كان فعله بيانا، وفعله إذا وقع على وجه البيان كان كالموجود في لفظ الآية، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا اعتكاف إلا بصوم (2) وقوله لعمر: اعتكف وصم. (3) ومن شرط انعقاده أن يكون في مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو إمام عدل بعده الجمعة، وذلك أربعة: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، بدليل الإجماع المتكرر وطريقة الاحتياط، لأنه لا خلاف في انعقاده فيما ذكرناه من الأمكنة وليس على انعقاده في غيرها دليل.
قوله تعالى: * (وأنتم عاكفون في المساجد) *، لا ينافي ما ذكرناه، لأن اللفظ مجمل، ولفظ المساجد هاهنا ينبئ عن الجنس لا عن الاستغراق.
ومن شرط انعقاده أن يكون ثلاثة أيام فما زاد، لمثل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط، وتعلق المخالف في ذلك بظاهر قوله تعالى: * (وأنتم عاكفون في المساجد) *، وأنه يتناول ما نقص عن ثلاثة أيام، لا يصح لأنا قد بينا أن الاعتكاف إما أن يكون لفظه شرعيا أو لغويا له شروط شرعية، فلا بد من الرجوع إلى الشرع، إما في الاسم أو في الشروط، فعليهم أن يدلوا على أن ما نقص عن الثلاثة يتناوله في الشرع هذا الاسم، ويكمل له الشروط الشرعية حتى