ويجوز بلا عوض إذا رضي المالك بالتصرف فيه بلا عوض، وأين ذلك من الضمان؟!
وعدم سلامة العوض المسمى لا يوجب إلا انتفاء الرضا واقعا الموجب لانتفاء الحلية، هذا مع إصلاح العبارة بعد التقييد، وإلا فقوله: (لا يحل مال المسلم بلا عوض إلا عن طيب نفسه) يقتضي أن التدارك بالعوض موجب لحلية التصرف رضي به أم لا، مع أنه ليس كذلك قطعا، لتقييد الحلية بالرضا سواء كان بعوض أو بغير عوض، هذا كله بناء على إرادة الحلية التكليفية.
وإذا كانت الحلية وضعية فتقريبها: أن الحلال ما لا تبعة له وغيره ما له تبعة، فإذا نسبت الحلية إلى الفعل كان معناها عدم العقوبة على الفعل، وفي قبالها الفعل الذي لا يحل فإنه ما له تبعة وعقوبة، وإذا نسبت إلى المال فالحلال من المال ما لا تبعة ولا خسارة من قبله، وفي قباله ما لا يحل من المال أي ما له تبعة وخسارة، فمعنى (لا يحل مال المسلم... الخ) (1) أنه له تبعة وخسارة إلا إذا رضي المالك بعدم تبعته وعدم خسارته، وحينئذ فلا يحتاج إلى التقييد بعدم العوض، بل نفس كونه ذا تبعة الذي هو معنى عدم حليته دليل على كونه ذا عوض.
وهذا التقريب أولى من جعل عدم حل المال عدم تخليص ذمته، وعدم حل قيد المال عن رقبته، فإنه كأنه مبني على توهم كون الحل من الحل في قبال الشد مع أنا قد بينا ما فيه في أوائل المعاطاة (2).
هذا وفيه: أنه خلاف الظاهر، بل الظاهر أن مساقه مساق لا يجوز لأحد التصرف في مال غيره بغير إذنه، مع أنه لا معنى لتقييد الحلية بهذا المعنى بطيب النفس إذ التبعة الفعلية والخسارة الفعلية للمال بعد تلفه.
فإن أريد رضاه ببراءة ذمته وسقوط تبعته بعد ثبوته فهو غير مناف لثبوت الضمان، فإنه إبراء مؤكد لثبوته، فلا يكون الخبر متكفلا لثبوت الضمان إلا مع التراضي على عدم العوض، بل متكفل لحصول الابراء من الضمان الثابت بالرضا بالبراءة.