الفرق بين ما نحن فيه وبين إجارة البطن السابق زائدا على مدة حياته، فإنه لا يملك منفعة العين الموقوفة ملكية مرسلة بل ملكية موقتة بحياته. نعم إذا قيل بأن كل طبقة تملك العين والمنفعة ملكية مرسلة، وأنه تنتقل هذه الملكية المرسلة منهم إلى الطبقة المتأخرة نظير انتقال الملك إلى الوارث، غاية الأمر أنه هناك بجعل الشارع وهنا بجعل الواقف، أمكن القول بنفوذ الإجارة مطلقا، إلا أن المبنى غير صحيح كما قدمنا القول فيه في أوائل مباحث الإجارة.
وأما المقام الثاني: فتحقيق القول فيه أن الحر لا يملك منافع بدنه على حد ملك المولى لمنافع عبده، بل من حيث السلطنة على نفسه كما له السلطنة على تمليك كلي عينا أو عملا بتعهده في ذمته كذلك له السلطنة على تمليك منافعه، والولي قائم مقام الصغير في هذه السلطنة، فله السلطنة على تمليك منافع الصغير، وأما المنافع المصادفة لزمان كبره فهي منافع الكبير، والمفروض عدم السلطنة للولي إلا على الصغير ومنافعه لا على الكبير ومنافعه، وهذا هو الوجه في المنع. لا أن المنافع الآتية ليست أموالا فعلية للصغير. فإن نظر المانع إن كان إلى عدم كونها مملوكة للصغير فالمنافع التي تصادف زمان صغره أيضا غير مملوكة له، وإن كان إلى عدم ماليتها إلا في ظرف وجودها. فإن الملكية تتقدم على ذات المملوك والمالية منتزعة من ذات المنفعة فلا تتقدم عليه، ففيه أن المنافع المصادفة لزمان صغره أيضا كذلك مع أنه يصح تمليكها، فالوجه ما ذكرنا من عدم السلطنة على تمليك منافع الكبير، ولا يعقل أن تكون المنافع الآتية منافع الصغير. فتدبره فإنه حقيق به.
إلا أن يقال إن الصغر لو لم يكن مانعا شرعا لكان للصغير فعلا تمليك جميع منافعه المصادفة لزمان صغره وكبره. والشارع لمكان مانعية الصغر في نظره جعل هذه السلطنة لوليه، وحينئذ فيجاب عنه بما أجبنا به في إجارة أملاكه من عدم المقتضي للولاية المطلقة. ولا ينتقض بالنكاح المنقطع زائدا على مدة صغرها نظرا إلى ما ورد من أنهن مستأجرات، فمرجعه إلى تمليك المنافع المصادفة لزمان كبرها فإن النكاح مغاير للتمليك.