المنفعة المستوفاة أو المفوتة ذات مالية زائدة على مالية ما ملكه المستأجر الأول فهي مضمونة على المستأجر الثاني للمالك، لأن تلك الزيادة مالية ماله المضاف إليه بإضافة الملكية، فكأن هذا المال المستوفى بعد استيفاء المالك لمقدار من المالية لا مالية له إلا بهذا المقدار من المالية الزائدة، وهذا هو أثر كون المنفعة باقية على ملك مالكها، وأما على القول بعدم ملك المنافع المتضادة فربما يقال بضمان الزيادة للمالك كما ربما يقال بضمانها للمستأجر.
أما الأول: فتقريبه كما عن بعض الأعلام " قدس سره " إن المنفعة الثانية لا يملكها المالك لمكان الضدية فيقتصر في الحرمان عنها على مقدار الضدية فكما هو مالك لجميع المنافع الممكنة الاجتماع فكذلك هو مالك للزائد من أجرة المثل حيث لم يلزم منه جمع بين البدل والبدل. وهو بظاهره مخدوش، فإن بدل ما لا يملك لا يملك، والتضاد إنما كان بين المنافع لا بين الماليات القائمة بها حتى يقال إن الزائد لا مضاد له. نعم هذا إنما يتوجه إذا قلنا بأن المالك كما يملك المال كذلك يملك مالية المال، وهذه المالية الزائدة لم تكن ضدا لمالية المنافع المتساوية حتى لا تملك، وملك المالية أمر معقول كما في إرث الزوجة قيمة الأعيان التي لا ترثها، إذ ليس حقيقته إلا ملك ثمن مالية العين مثلا.
وأما الثاني: فتقريبه كما قرره " قدس سره " في كلام طويل، وملخصه أن الملك لمكان تضاد المنافع كان بدليا، والمالك كان مالكا الكل منها على البدل، فانتقلت المنفعة التي لها بدل إلى المستأجر فيقوم المستأجر مقام المالك، كما قالوا بنظيره في تعاقب الأيدي إن العين بوضع اليد عليها صارت ذات بدل، فاليد الثانية يد على عين ذات بدل وهكذا إلى آخر الأيدي تتضاعف البدلية، وهذا وجه رجوع السابق إلى اللاحق إذا رجع المالك إليه، وهو خلط بين البدل بمعنى عدل الشئ والبدل بمعنى العوض والغرامة، فإن المالك حيث كان مالكا للعين كان مالكا لكل شأن من شؤونها بحيث له استيفاء كل شأن عند عدم استيفاء الآخر، والمستأجر ليس له هذا الشأن بل ملك شأنا معينا من شؤون العين، فكيف يعقل أن يقوم