فيتضح من كل ما تقدم أن قول العلامة المحقق قول سديد ومؤيد، والتفاتة موفقة تنسجم وتتناسب وسياق الآيات، ودلالات الألفاظ..
ومن جهة أخرى فإننا إذا أردنا أن ننحو منحى " الكاتب " في تعليقه على قول العلامة المحقق بقوله: " إذا كان من الطبيعي أن يقبل آدم (ع) من إبليس ما أخبره به وكان لا يملك حق تكذيبه، فلماذا اعتبره الله عاصيا، أو غاويا، أو ظالما، أو ناسيا للعهد، أو فاقدا للعزم " (1).
فعندئذ نقول له وفق منطقه: إن كان آدم (ع) لا عهد له بأساليب اللف والدوران، والغش، والخداع.. فلماذا اعتبره الله عاصيا، غاويا، ظالما، ناسيا للعهد، فاقدا للعزم. ونقول له أيضا: (ما هكذا تورد يا سعد الإبل).
أما قوله: " إن إبليس نفسه ذكر آدم (ع) بالنهي الرباني بقوله: {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة..} فيدل دلالة واضحة على أن آدم (ع) لم يكن ناسيا للنهي، وحتى لو كان ناسيا فإن إبليس.. قد ذكره " (2) فهو قول طريف، ومن حق العلامة المحقق أن يقول له: " هذه بضاعتنا ردت إلينا ".
فيتضح مما مر صوابية رأي العلامة المحقق بأن آدم (ع) لم ينس، إنما ترك العمل بالنصيحة لما قاسمه إبليس، والتارك للعمل بالنصيحة، والمعرض عنها حاله حال الناسي، فيصح وصفه بذلك وإن لم يكن في الواقع كذلك (3).
ونضيف: إن آدم (ع) لم يكن ناسيا حقيقة للتحذير الإلهي من إبليس وإنما هو عمل عمل الناسي، ولو كان هناك نسيان حقيقي لاكتفى إبليس بإرشادهما إلى الشجرة وتصوير منافعها لهما كذبا. ولكن ذلك لم يحصل.