الطوسي (قده) إنما هو لإثبات أن ما قاله العلامة المحقق يخالف ما قاله أعلام التفسير.
فإن كان هذا هو رده، فإنه لا يخلو من طرافة وأسف في آن معا، حيث أن هذا الفهم لكلام الطوسي (قده) بعيد كل البعد عما يرمي إليه، فإن الطوسي (قده) صرح بما لا يقبل التأويل والجدل بأن قول موسى (ع) لأخيه هارون (ع): " أفعصيت أمري ": " صورته صورة الاستفهام، والمراد به التقرير، لأن موسى (ع) كان يعلم أن هارون لا يعصيه في أمره " (2).
إذن فالشيخ الطوسي (قده) يعتبر أن موسى (ع) كان يعلم أن هارون لا يعصيه في أمره، وأن صورة الاستفهام الظاهرة في قوله لأخيه هارون (ع): {أفعصيت أمري} إنما يراد بها التقرير، أي أن مفاد الآية هو: أن موسى (ع) وكأنه قال لأخيه (ع): أنا أعلم أنك لا تعصي أمري فلماذا لم تتبعن؟!.
وتفسير الطوسي (قده) لقول هارون (ع): {إني خشيت أن تقول..} بما ذكره " الكاتب " من أنه خاف إن فعل ذلك على وجه العنف أن يتفرقوا، يدل على أن الطوسي (قده) يرى أن الاتباع هنا يراد به اتباعه في استعمال الشدة، ولا يعني أبدا أن الطوسي (قده) يتحدث عن وجود اختلاف في وجهات النظر وفي الرأي حول كيفية التعامل بل على العكس تماما، لأن هارون (ع) اعتبر عدم استعماله للشدة والعنف ليس رأيا له في مقابل رأي موسى (ع) بل هو التزام بتعاليمه حيث قال له: (أخلفني في قومي وأصلح) لذا قال له هارون (ع) أنه خشي أن يقول له، إن هو استعمل الشدة والعنف، أنه لم يرقب قوله في توصيته بالإصلاح كما أجمع على ذلك المفسرون.
ومما تقدم من تفسير الطوسي (قده) لقوله تعالى: {أفعصيت أمري} من أن المراد به التقرير وإن كانت صورته صورة الاستفهام يتضح أن الشيخ الطوسي (قده) يرى أن هذا الاستعلام عن الوضع من أخيه هارون (ع) لم يكن في مقام السؤال عن عصيان أوامره لأنه يعلم أن هارون لا يعصيه، وإنما كان السؤال عن سبب عدم اتباع الشدة والعنف، واستفهامه هذا (ع) لا يدل أيضا على أن موسى (ع) كان يصر على إتباع هذا الأسلوب وأنه عاتبه على عدم اتباعه، لذلك فإنه عندما أخبره هارون (ع) بسبب ذلك قبله منه وحول كلامه إلى السامري.
وثمة لطيفة في الآيات ينبغي التوقف عندها، ترتبط بقول هارون (ع): {إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل} واللطيفة هي أنه لو كانت المسألة تتعلق باختلاف وجهات النظر في أسلوب وكيفية المعاملة، فيرى الأول أصلحية الشدة، ويرى الآخر أصلحية اللين؛ وأن الأمر يتعلق بإظهار وجهة نظر هارون (ع) في أسلوب التعامل، لكان الأنسب أن يقول: إني خشيت أن تتفرق بنو إسرائيل وما يفيد هذا المعنى، لكن الآية لم تأت على هذا النحو وإنما قال هارون (ع): {إني خشيت أن تقول..} أي أن يقول موسى (ع) أن هارون (ع) قد فرق بين بني إسرائيل.
ويدل ذلك على أن الخشية لم تتعلق بالتفرقة، وإلا لكان قال: " خشيت أن يتفرق " وإنما تتعلق الخشية بقول موسى (ع).
وبعبارة أخرى: إن هارون (ع) لم يخش إن استعمل الشدة والعنف من تفرقة بني إسرائيل، فإن ذلك ليس محط نظر من يدعو للتوحيد ونبذ عبادة الأصنام والتهيؤ للحرب في سبيل هذه الدعوة، إنما الذي خشيه هو أن يقول له موسى (ع) أنه فرق بين بني إسرائيل، فالذي خشيه إذن هو قول موسى (ع) لا نفس التفرقة.
أما لماذا خشي قوله (ع)، فيوضحه قوله (ع) {ولم ترقب قولي} فالأمر يعود لوصيته (ع) لهارون (ع) بأن يخلفه في قومه ويصلح.
ومقتضى هذا التعبير هو أن تكليف هارون (ع) كان منحصرا في ذلك الوقت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحدود التي لا تؤدي إلى التفرقة بين بني إسرائيل، لأن الحرص على أن لا يؤدي ذلك إلى التفرقة بينهم من