فهؤلاء (ع) قد شملتهم العناية الإلهية، والرعاية والألطاف الربانية منذ اللحظة الأولى لانعقاد نطفهم، وهم أجنة في بطون أمهاتهم، لم يأت عليهم حين من الدهر على امتداد وجودهم، إلا وكانوا موضع لهذه العناية والرعاية واللطف، تطلبوا الكمال فنالوه، مذ كانوا بعين الله يتقلبون في الساجدين، بما أودعه الله فيهم من وسائل للهداية أخرجوها باختيارهم من عالم القوة إلى عالم الفعل وبما حققوه من نجاحات فيما امتحنهم وابتلاهم الله به، بدت آثارها عليهم منذ نعومة أظفارهم علم وحكمة، وقوة وقدرة، يقين وسكينة واطمئنان.. استحقوها بجدارة بعد أن سبق فضل الله عليهم بما وعد به عباده.. لذا استخلصهم لنفسه، واصطفاهم للنبوة، واختارهم للرسالة دون العالمين.. حتى إذا ما واجهوا البلاء وتعرضوا للابتلاء من جديد، وقفوا بثبات واختاروا الأولى والأصلح والأصح والأحسن بعد أن باتوا يرون الواقع على حقيقته، لا يحول بينهم وبين ذلك حائل.. طاهرة أجسادهم، صافية عقولهم، ساكنة قلوبهم، زاكية أرواحهم، مطمئنة نفوسهم لا تشوبها شائبة ولا يعتريها ريب ولا شك، قريبة من الله متحصنة به متيقنة من لقائه، فلا تطوقها المواقف والظروف ولا تضعف أمامها، ولا تنازعها الشهوات والنزوات والغرائز لتعيش العذاب، فلا تنجذب للحرام والقبيح الذي تنفر منه طباعهم وتأباه طبائعهم، لأنها (القبائح) مصروفة عنهم لا مصروفون عنها {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} لا سيما إذا عرض عليهم هذا الحرام والقبيح بثوب امرأة فائقة الحسن والجمال، تحسن استخدام مفاتنها، وتجيد الإغراء والغواية، فإن ذلك لا يستر الواقع المكشوف لهم، والحقيقة الساطعة أمامهم، فلا يرون ذلك إلا تجلي جلالي غضبي يمثل الغضب الإلهي ما دامت حراما، أو تجلي جمالي يمثل الجمال الإلهي ما دامت حلالا يستأنسون بها، وتسكن نفوسهم إليها {هو الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها}.. وعليه فلا يقاس أحد بهم، وكيف يقاس من كان هذا هو شأنه بمن هو دونه..
من هنا فإن النبي الصائم، مهما كان جائعا أو عطشانا، ومهما كان الطعام والشراب الذي يعرض عليه طيبا ولذيذا وشهيا كما قد يراه البعض،