يأت بها الله " لم يقل لقمان لابنه يجب أن تسلك السلوك الحسن وإلا أعاقبك بالجلد أو العصا، وإنما أراد أن يربي فيه الشعور المرهف والإحساس الشديد بالمسؤولية أمام ربه الذي آمن به وحده وأخلص في ذلك، فأصبح يعتقد أنه مراقب على كل كبيرة وصغيرة مهما كانت، وأنه سيسأل عنها، فإذا أفلت من عقاب المجتمع أو من عقاب القانون أو الأفراد فلن يفلت من عقاب خالقه القوي القدير.
ثم يأتي لقمان في وصيته إلى ناحية أخرى فيقول له: " يا بني أقم الصلاة وامر بالمعروف وإنه عن المنكر " فالمسلم الذي آمن بربه وحرر شخصيته وأرهف شعوره بالمسؤولية، لا بد له نتيجة الإيمان هذا من أن يعبد الله معترفا بجميله فيؤدي الصلاة التي هي من أسس العبادة لله والتي هي عنصر تربوي في ذاتها، إذ أنها توجد الانسجام في الشخصية بين الناحيتين المادية والروحية كما أنها تعلمه النظام وتربطه مع الجماعة وتجعله في راحة نفسية كبرى، وفي الصلاة فوائد تربوية كثيرة استعرضناها في الحلقة الثالثة من كتابنا (الجواهر الروحية) وفي الدرس العاشر من هذا الكتاب وفي كتابنا (علي والأسس التربوية) * * * إلى الآن ما نزال في تربية الشخصية تربية فردية، والإنسان لا يعيش وحيدا في الحياة إنما هو مغمور في الحياة الاجتماعية وعلاقاته مع لآخرين، فلا بد من تربيته أيضا على السلوك الاجتماعي ليتكون بذلك المجتمع المثالي.
ولذلك نجد لقمان يتبع وصيته لابنه بالصلاة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالإنسان الذي ربى ذاته وحكم شخصيته وتحرر من الأهواء أصبح بإمكانه أن يتنقل إلى غيره ممن يعيش معهم، فهو ليس مسؤول أيضا عن شخصه وحده بل مسؤول أيضا عن مجتمعه، فمن الواجب عليه أن يقوم المعوج ويأمر بفعل الخير