فكان لا بد من استباق الأمور، والتحرك بسرعة قبل أن يبلغ السيل الزبى، وقبل أن يستكمل المسلمون قضم أطراف مكة، وحتى أطراف الجزيرة، أو ما هو أبعد من ذلك ثم تصل النوبة إلى مكة نفسها، فيبتلعها التيار العارم، ويضربها الزلزال الهادم، حيث تتهاوى صروح الشرك والفساد ويعم السلام والهدى جميع العباد في مختلف الأصقاع والبلاد.
وكان قرار مكة هو أنه لابد أن يشاركها الآخرون في مهمة القضاء على الإسلام والمسلمين.
وعمدت إلى حشد أكبر عدد ممكن من الناس من القبائل التي كان لها تحالفات معها. أو ممن شاركوها في التآمر والبغي. ومن شأن الكثرة أن تقوي الضعيف، وتشجع الجبان، وتؤمن الخائف.
فكان أن تحزبت الأحزاب مع قريش، وقصدوا محمدا والمسلمين في عقر ديارهم، ليجتثوهم من الجذور، ويقتلعوا منهم الآثار، ويخلوا منهم الديار.
فكانت غزوة الأحزاب " الخندق ". والتي انتهت هي الأخرى بالفشل الذريع. وطاشت السهام، وخابت الآمل، وانقلب السحر على الساحر.
وكان فشل قريش في هذه المرة فشلا ذريعا، ومنيت بهزيمة لا تشبه سائر الهزائم فقد كانت هزيمة مرة وحقيقية وأبدية أيضا.
وهذا بالذات هو ما يميز غزوة الخندق عما سواها، حتى قال النبي بعدها: الآن نغزوهم ولا يغزوننا. كما سنرى.