وإذا كان كذلك فإنه يصبح واضحا ان المثل القرآني الذي يتمثل في تجربة سليمان وداود عليهما السلام إنما أراد أن يجسد ولو بصورة مصغرة هذه الحقيقية بالذات ليلتمس هذا الإنسان الاهداف الإلهية وهي تتجسد واقعا حيا ملموسا وليس مجرد خيالات أو شعارات أو آمال وطموحات غير عقلانية ولا مسؤولة وهي أيضا تجسد معنى القيادة المطلوبة والصالحة لتحقيق هدف كهذا حتى أن طائرا وهو الهدهد يضطلع بدور حيوي وفي مستوى ملك بأسره وأحد الحاضرين في مجلس سليمان يأتي بعرش بلقيس بواسطة العلم الذي عنده من الكتاب - قبل ان يرتد الطرف.
كما أن هذه الشواهد القرآنية وتلك الكرامات والمعجزات النبوية ومنها قصة الجمل التي هي مورد البحث قد رسخت هذه الحقيقة سواء بالنسبة لدور الانسان في الكون وتعاطيه معه أو بالنسبة إلى حقائق راهنة لا بد ان تأخذ دورها وحقها ويحسب حسابها على مستوى التخطيط وعلى مستوى الممارسة أو بالنسبة إلى الدور الذي لا بد لهذه القيادة ان تضطلع به في مقام الرعاية التامة والهداية العامة وما يتطلبه ذلك من طاقات ومن إمكانات ومواصفات قيادية خاصة ومتنوعة لا تحصل إلا بالرعاية والتربية الإلهية لها ولا تكون الا في نبي أو في وصي وتصبح معرفة لغات الحيوانات والوقوف على كثير من اسرار الخلقة ونواميس الطبيعة ضرورة لا بد منها لهذه القيادة التي لا بد ان ترعى وتوازن وتربي وتحفظ لكل شئ حقه وكيانه ودوره في الحياة حيث لا بد لها من التدخل المباشر في أحيان كثيرة لحسم الموقف ولحفظ سلامة المسار كما لا بد لها من توجيه الطاقات والاستفادة منها في الوقت المناسب وفي الموقع المناسب بصورة قومية