ومما يدل على أن عبادتهم للأصنام لم تكن عن تعقل وقناعة هو أن الذين كانوا يرجعون إلى فطرتهم، والى عقولهم سرعان ما يدركون منافرتها للفطرة، ولاحكام العقل السليم، ويرغبون بالخروج من هذا الجو، ولذلك نجد المؤرخين يذكرون: أن عبد المطلب قد رفض عبادة الأوثان، كما ويذكرون: أن ورقة بن نوفل، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعبيد الله بن جحش قد تبرموا من عبادة الأوثان، وعبروا عن ضعف ثقتهم فيها، فاجتمعوا وتشاوروا فتنصر الأولان، وبقي الآخران في حيرتهم وشكهم (1).
ب: الفراغ السياسي: فإن أرض العرب القاحلة، والجو الحار الذي تتميز به، وحياتهم المتنقلة من مكان إلى مكان، وقدرتهم على تحمل المشاق. قد جعل السيطرة عليهم شبه مستحيلة حسبما قدمنا. بل جعلهم بحسب طبيعة ظروفهم الحياتية قادرين على توجيه الضربات القاصمة لكل دخيل، وجعله في رعب دائم، وخوف مستمر، الامر، الذي أسهم بشكل فعال في ابعاد أطماع المستعمرين عن منطقتهم، مع قناعة المستعمر بأنه سوف لا يجني الكثير من النفع، في مقابل الكثير من الضرر الذي سوف يتعرض له، ولا سيما مع علمه بأن حب الانطلاق في البادية بلا رقيب ولا حسيب مغروس في دم العربي، وفي روحه، وفي أعماق أعماقه، ولا يتنازل عن ذلك بأي ثمن كان.
فكل ذلك قد جعل المنطقة في فراغ سياسي محسوس، بل إن شمالي الجزيرة العربية لم يتعرض لأي حكم أجنبي أصلا نعم قد تعرض جنوبها وهو اليمن لسلطة الأحباش لفترة قصيرة (2).