برز الربيع لنا برونق مائه * فانظر لروعة ارضه وسمائه فالترب بين ممسك ومعنبر * من نوره بل مائه وروائه والماء بين مصندل ومكفر * في حسن كدرته ولون صفائه والطير مثل المحصنات صوادح * مثل المغني شاديا بغنائه والورد ليس بممسك رياه إذ * يهدي لنا نفحاته من مائه زمن الربيع جلبت أزكى متجر * وجلوت للرائين خير جلائه فكانه هذا الرئيس إذا بدا * في خلقه وصفائه وعطائه بحمى أعز محجر وندى أغر * محجل في خلقه ووفائه يعشو إليه المختوي والمجتدي * والمجتوى هو هارب بذمائه ما البحر في تزخاره والغيث في * أمطاره والجو في انوائه بأجل منه مواهبا ورغائبا * لا زال هذا المجد حلف فنائه والسادة الباقون سادة عصرهم * متمدحون بمدحه وثنائه فقال أبو بكر تسعة أبيات غابت عن حفظنا جمع فيها بين اقواء واكفاء واخطاء وايطاء ثم قلت لمن حضر من وزير ورئيس وفقيه وأديب أ رأيتم لو أن رجلا حلف بالطلاق الثلاث لا أنشد شعرا ثم أنشد هذه الأبيات هل تطلقون امرأته عليه فقالت الجماعة لا يقع بهذا طلاق فاخذ الأبيات وقال لا يقال نظرت لكذا وانما يقال نظرت إليه فكفتني الجماعة اجابته ثم قال شبهت الطير بالمحصنات وأي شبه بينهما قلت يا رقيع إذا جاء الربيع كانت شوادي الأطيار تحت ورق الأشجار فيكن كأنهن المخدرات تحت الأستار فقال لم قلت مثل المحصنات مثل المغني والمحصنات كيف توصف بالغناء فقلت هن في الخدر كالمحصنات وكالمغني في ترجيع الأصوات قال لم قلت:
زمن الربيع جليت أزكى متجر وهلا قلت اربح متجر قلت ليس الربيع بتاجر يجلب البضائع المربحة ثم قال ما معنى قولك الغيث في امطاره والغيث هو المطر نفسه فكيف يكون له مطر قلت لا سقى الله الغيث أديبا لا يعرف الغيث وقلت له ان الغيث هو المطر وهو السحاب فقال الجماعة قد علمنا اي الرجلين أشعر وأي البديهتين أسرع ثم ملنا إلى الترسل فقلت اقترح علي ما في طوقك حتى أقترح عليك أربعمائة صنف في الترسل فان سرت فيها برجلين ولم أطر بجناحين بل إن أحسنت القيام بواحد منها فلك يد السبق وقصبه مثال ذلك ان أقول لك اكتب كتابا يقرأ منه جوابه أو أكتب كتابا وأنظم شعرا فيما اقترحه وأفرع منهما فراغا واحدا أو اكتب كتابا وانشد من القصائد حتى إذا كتبت ذلك قرئ من آخره إلى أوله أو أكتب كتابا إذا قرئ من أوله إلى آخره كان كتابا فان عكست سطوره كان جوابا أو اكتب كتابا في المعنى المقترح لا يوجد فيه حرف منفصل أو خاليا من الألف واللام أو من الحروف العواطل أو أوائل سطوره كلها ميم وآخرها جيم أو اكتب كتابا إذا قرئ معوجا كان شعرا أو كتابا إذا فسر على وجه كان مدحا وعلى وجه كان قدحا أو اكتب كتابا إذا كتبته تكون قد حفظته فقال أبو بكر هذه الأبواب شعبذة فقلت وهذا القول طرمذة فما الذي تحسن من الكتابة قال الكتابة التي يتعاطاه أهل الزمان المتعارفة بين الناس فقلت أ ليس لا تحسن من الكتابة الا هذه الطريقة الساذجة ولا تحسن هذه الشعبذة قال نعم فقلت هات الآن حتى أطاولك بهذا الحبل وأناضلك بهذا النبل واقترح كتاب يكتب في النقود وفسادها والتجارات ووقوفها فكتب أبو بكر:
بسم الله الرحمن الرحيم الدرهم والدينار ثمن الدنيا والآخرة بهما يتوصل إلى جنات النعيم ويخلد في نار الجحيم قال الله تبارك وتعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم وقد بلغنا من فساد النقود ما أكبرناه أشد الاكبار وأنكرناه أعظم الإنكار لما نراه من الصلاح للعباد وتنويه من الخير للبلاد وتعرفنا في ذلك ما يربح للناس في الزرع والضرع ويعود إليه أمر الضر والنفع. إلى كلمات لم تعلق بحفظنا فقلت ان الاكبار والإنكار والعباد والبلاد وجنات النعيم ونار الجحيم والزرع والضرع أسجاع قد نبتت في المعد وقد كتبت وكتبت فقالوا لي أقرأه فجعلت اقرؤه معكوسا فبهت وبهتت الجماعة وكانت نسخة ما أنشأناه:
الله شاء ان المحاضر صدور بها وتملأ المنابر. ظهور لها وتقرع الدفاتر. وجوه بها وتمشق المحابر، بطون لها ترشق آثارا كانت فيه آمالنا مقتضى على أياديه في تأييده الله أدام الأمير جرى فإذا المسلمين. ظهور عن الثقل هذا ويرفع الدين أهل عن الكل هذا يحط ان في إليه نتضرع ونحن واقفة.
والتجارات زائفة والنقود صيارفة. أجمع الناس صار فقد كريما نظرا لينظر شيمة. مصاب وانتجعنا كرمه. بارقة وشمنا هممه. على آمالنا رقاب وعلقنا أحوالنا. وجوه له وكشفنا آمالنا. وفود إليه بعثنا فقد نظره بجميل يتداركنا ان ونعماءه تأييده وادام بقاءه. الله أطال الجليل الأمير رأى أن وصلى الله على محمد وآله الأخيار.
فلما فرغت من قراءتها انقطع ظهر أحد الخصمين وقال الناس قد عرفنا الترسل أيضا فملنا إلى اللغة فقلت يا أبا بكر هذه اللغة التي هددتنا بها وهذي كتبها فخذ غريب المصنف أو اصلاح المنطق أو ألفاظ ابن السكيت أو مجمل اللغة فهو ألف ورقة أو أدب الكاتب واقترح علي اي باب شئت من هذه الكتب حتى أسرده عليك فقال اقرأ من غريب المصنف رجل ماس خفيف على مثال مال وما أمساه فاندفعت في الباب حتى قرأته وأتيت على الباب الذي يليه ثم قلت اقترح غيره قالوا كفى فقلت له اقرأ باب المصادر من اخبار فصيح الكلام ولا أطالبك بسواه فوقف حماره وخمدت ناره وقال الناس اللغة مسلمة لك أيضا فهاتوا غيره فقلت يا أبا بكر هات العروض فهو أحد أبواب الأدب وسردت منه خمسة ابحر بألقابها وأبياتها وعللها وزحافها فقلت هات الآن فاسرده كما سردته فلما برد ضجر الناس وقاموا عن المجلس وقام أبو بكر فغشي عليه وقمت إليه فقلت:
يعز علي في الميدان اني * قتلت مناسبي جلدا وقهرا ولكن رمت شيئا لم يرمه * سواك فلم أطق يا ليث صبرا وقبلت عينيه ومسحت وجهه وقلت اشهدوا ان الغلبة له وتفرق الناس وجلسنا للطعام ولما حلقنا على الخوان كرعت في الجفان وأسرعت إلى الرغفان وأمعنت في الألوان وجعل هذا الفاضل يتناول الطعام بأطراف الأظفار فلا يأكل الا قضما ولا ينال إلا شما وهو مع ذلك ينطق عن كبد حرى ويفيض عن نفس ملأى فقلت يا أبا بكر بقيت لك بقية وفيك مسكة:
يا قوم اني ارى الأموات قد نشروا * والأرض تلفظ موتاكم إذا قبروا فأخبرني يا أبا بكر لم غشي عليك فقال لحمي الطبع وحمى الفرو فقلت أين أنت عن السجع هلا قلت حمى الطبع وحمى الصفع وقال السيد أبو القاسم: أيها الأستاذ أنت مع الجد والهزل تغلبه فقلت لا تظلموه ولا تطعموه طعاما يصير في بطنه مغصا وفي عينه رمصا وفي جلده برصا وفي حلقه غصصا فقال هذه اسجاع كنت حفظتها فقل كما أقوله يصير في عينك