اظهاره وانشاد القصيدة كما سيأتي مع ظهور التشيع وقوة الشيعة في ذلك العصر بدولة بني بويه وبان في رسائله ما يظهر منه عدم تشيعه كقوله في رسالته إلى أبي نصر الطوسي: ولك في أكثر المكارم لسان ويد ولا تخلو معهما من حزونة طوسية ورجل طاووسية ولو عربت منهما لكنت الامام الذي تدعيه الشيعة وتنكره الشريعة، وقوله في رسالته إلى الشيخ الرئيس أبي عامر عدنان بن محمد وهو يذكر عضد الدولة. ثم عجز والقدرة هذه أن يعمر التربتين الخبيثتين أو يصلح البلدتين المشؤومتين قم والكوفة فعلم أن ذلك لخبث نحلتهما فهم أن يسبي ويبيح ثم فرض الجزية عليهم أو يقيموا التراويح ورجع صاحبي آنفا من هراة فذكر أنه سمع في السوق صبيا ينشد:
أن محمدا وعليا أخرا تيما وعديا ويل أم هراة أنصب الشيطان بها هذه الحبالة والله ما دخلت هذه الكلمة بلدا إلا صبت عليها الذلة ونسخت عنها الملة ولا رضي بها أهل بلدة الا جعل الله الذل لباسهم وألقى بينهم بأسهم هذه نيسابور منذ فشت فيها هذه المقالة في خراب واضطراب وأهلها في بلاء وجلاء يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون وهذه قهستان منذ فشت فيها هذه المقالة جعلت ماكلة الغصص ونجعة الأقدار فالشيطان لا يصيد هراة صيدا إنما يستدرجها رويدا وهذه الكوفة مما اختط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وما ظهر الرفض بها دفعة ولا وقع الالحاد بها وقعة إنما كان أوله النياحة على الحسين بن علي وذلك ما لم ينكره الأنام ثم تناولوا معاوية فأنكر قوم وتساهل آخرون فتدحرجوا إلى عثمان فنفرت الطباع ونبت الأسماع وخلف من بعدهم خلف لم يحفظوا حدود هذا الأمر فارتقى ذلك إلى يفاع وتناول الشيخين رضي الله عنهما. لا جرم أن الله تعالى سلط عليهم السيف القاطع والذل الشامل ولما أعد الله لهم في الآخرة شر مقاما وانا أعيذ بالله هراة أن يجد الشيطان إليها هذا المجاز وأعيذ الشيخ الرئيس أن لا يهتز لهذا الأمر اهتزازا يرد الشيطان على عقبه اه وفي رسائله غير ذلك من هذا القبيل لكنه ليس بهذه الصراحة بل أورد ياقوت في معجم الأدباء له قصيدة مزدوجة سنذكر شيئا منها إن صحت كان فيها دلالة على عدم تشيعه. ويظهر من رسالة للخوارزمي أجاب بها البديع عن رقعة وردت منه وهي الرقعة الثالثة أنه أشعري حيث يقول أبو بكر فيها:
وتكليف المرء ما لا يطيق يجوز على مذهب الأشعري وقد زاد سيدي أستاذه الأشعري فان أستاذه كلف العاجز ما لا يطيق مع عجزه عنه وسيدي كلف الجاهل علم الغيب مع الاستحالة منه اه ويؤيده أن أخاه لأمه وأبيه وتلميذه محمد بن الحسين الصفار كان يتهم بمذهب الأشعرية حكاه ياقوت في أوائل ترجمة البديع عن تاريخ همذان لأبي شجاع فالظاهر أن ذلك راجع إلى أخيه لا إليه لقوله وجن في آخر عمره فان البديع لم ينقل عنه أحد أنه جن ويبعد تخلف الأخوين الشقيقين والأستاذ والتلميذ في المذهب. ومما يبعد تشيعه قوله للخوارزمي كما يأتي عندنا يهودي يماثلك في مذهبه ويزيد بذهبه. ويمكن الجواب عن عدم ذكر أصحابنا له بعدم ذكرهم لأبي بكر الخوارزمي المعلوم تشيعه بل لم يذكره صاحب أمل الآمل الذي ذكر البديع وعن قول أبي شجاع أنه كان متعصبا لأهل الحديث والسنة بان الظاهر أنه أخذ ذلك من قوله في وصيته وأن يتولى الصلاة عليه أهل الحديث وأهل السنة ولم يعلم أنه أراد باهل السنة هنا ما قابل الشيعة. وعن خفاء تشيعه على أهل ذلك المجلس بأنه لم يكن مختلطا بهم ولم يكن متجاهرا بالتشيع فلذلك خفي أمره عن أهل نيسابور كما خفي تشيع ابن فارس فوصف في مؤلفات أهل السنة بأنه شافعي أو مالكي. وعما في رسائله بان الرجل لم يكن متصلبا في الدين متجنبا لكل ما يوقع في المآثم بل كان جاريا على عادة أكثر الشعراء والكتاب من أتباع منافعهم الدنيوية والتجرؤ على أعراض الناس والافتراء عليهم فيقول ما يجر مطامعه ومنافعه في دنياه وإن أضر بأخراه فهو يخاطب أبا نصر الطوسي بما يروج عنده ويقرب إليه وكذلك يخاطب الرئيس أبا عامر ومما يدل على أن ذلك ليس على حقيقته قوله عن عضد الدولة أنه عجز أن يعمر التربتين الخبيثتين ويصلح البلدتين المشؤومتين قم والكوفة فعلم أن ذلك لخبث نحلتهما فهم أن يسبي ويبيح ثم فرض الجزية عليهم أو يقيموا التراويح، فان نحلة عضد الدولة كنحلة أهل قم والكوفة هي التشيع فكيف يهم بان يسبي ويبيح ويفرض الجزية أو يقيموا التراويح أن هذا لطريف مليح وفي عدم إرادة الحقيقة منه ظاهر أو صريح.
أما القصيدة المزدوجة التي أوردها ياقوت فالظاهر أنها منحولة بدليل عدم وجودها في ديوانه وانفراد ياقوت بنقلها ولم يسندها ولو صحت نسبتها إليه لأمكن أن يكون غرضه فيها التشنيع على الخوارزمي عدوه عند أهل السنة فيكشف ذلك عن عدم تاثمه على عادة الشعراء في هجوهم الناس والتشنيع عليهم وعدم تحرجهم من ذلك ومن هذا القبيل نسبة الخوارزمي له إلى أنه أشعري مجبر فقصد التشنيع عليه عند الشيعة كما قصد هو التشنيع على الخوارزمي عند أهل السنة وفي رسالته إلى أبي الطيب سهل بن محمد الخوارزمي نسبة الخوارزمي إلى أنه دهري، واتهام أخيه بمذهب الأشعرية لا يوجب أن يكون هو أشعريا بل التعبير بالاتهام يدل على أن ظاهر حاله كان على خلاف ذلك ومن هذا الباب قوله للخوارزمي عندنا يهودي يماثلك في مذهبه على أنه يمكن أن يريد في مذهبه في الحرص والحاصل أن شهادة الخصم على خصمه لا تقبل وكل ذلك لإرادة التشنيع سواء كان بحق أو بباطل فلا ينبغي الريب في تشيعه والظاهر أنه كان يتكتم في مذهبه غالبا ولا يبالي ما يقول ويفعل في سبيل ماربه الدنيوية والله أعلم.
ما جرى بينه وبين أبي بكر الخوارزمي قد سمعت قول الثعالبي أنه ورد نيسابور سنة 382، وكان بها أبو بكر الخوارزمي فتحكك به البديع وتكاتبا وتحاورا واجتمعا وتناظرا فغلبه البديع بقوة بديهته وكثرة نكاته وحسن تصرفه في أجوبته ومحاوراته وكان الخوارزمي في ذلك الوقت ذائع الصيت لا يطمع كاتب ولا أديب في مساجلته وكان اشتهار صيته عن جدارة واستحقاق فقد كان كاتب عصره الذي لا يختلف فيه على أن غلبة البديع له لم تتحقق لما مر من قول بعض المؤرخين أن الناس اختلفوا فبعض غلب البديع وبعض غلب أبا بكر والذي نقل غلبة البديع هو البديع نفسه وشهادة المرء لنفسه لا تقبل.
قال البديع على ما في رسائله حاكيا ما جرى بينه وبين الخوارزمي:
وطئنا خراسان فما اخترنا الا نيسابور دارا وقديما كنا نسمع بحديث هذا الفاضل فنتشوقه وقد كان اتفق علينا في الطريق من العرب اتفاق لم يوجبه استحقاق من بزة بزوها وفضة فضوها وذهب ذهبوا به ووردنا نيسابور براحة أنقى من الراحة وكيس أخلى من جوف حمار فما حللنا الا قصبة جراره ولا وطئنا الا عتبة داره.
فأول رقعة كتبها البديع إلى الخوارزمي عند وروده نيسابور:
أنا لقرب الأستاذ أطال الله بقاءه * كما طرب النشوان مالت به الخمر