ومن الارتياح للقائه * كما انتفض العصفور بلله القطر ومن الامتزاج بولائه * كما التقت الصهباء والبارد العذب ومن الابتهاج بمزاره * كما اهتز تحت البارح الغصن الرطب فكيف ارتياح الأستاذ لصديق طوى إليه ما بين قصبتي العراق وخراسان، بل عتبتي نيسابور وجرجان، وكيف اهتزازه لضيف في بردة حمال وجلدة جمال:
رث الشمائل منهج الأثواب * بكرت عليه مغيرة الأعراب كمهلهل وربيعة بن مكدم * وعتيبة بن الحارث بن شهاب وهو ولي انعامه بانفاذ غلامه إلى مستقري لأفضي إليه بسري إن شاء الله تعالى. قال البديع على ما في رسائله: فلما أخذنا لحظ عينه سقانا الدردي من أول دنه وأجنانا سوء العشرة من باكورة فنه من طرف نظر بشطره وقيام دفع في صدره وصديق استهان بقدره وضيف استخف بأمره، لكننا أقطعناه جانب أخلاقه وقاربناه إذ جانب وشربناه على كدورته ولبسناه على خشونته، ورددنا الامر في ذلك إلى زي استغثه ولباس استرثه وكاتبناه نستمد وداده ونسلس قياده، بما هذا نسخته. وفي معجم الأدباء: ثم اجتمع إليه فلم يحمد لقيه، فانصرف عنه، وكتب إليه:
الأستاذ والله يطيل بقاءه ويديم تأييده ونعماءه أزرى بضيفه، أن وجده يضرب آباط القلة في أطمار الغربة، فاعمل في ترتيبه أنواع المصارفة وفي الاهتزاز له أصناف المضايقة من ايماء بنصف الطرف وإشارة يشطر الكف ودفع في صدر القيام عن التمام ومضغ الكلام وتكلف لرد السلام، وقد قبلت هذا الترتيب صعرا واحتملته وزرا واحتضنته نكرا وتأبطته شرا ولم آله عذرا، فان المرء بالمال وثياب الجمال، وانا مع هذه الحال وفي هذه الأسمال أتقزز صف النعال، ولو حاملته العتاب وناقشته الحساب لقلت:
ان بوادينا ثاغية صباح وراغية رواح، وقوما يجرون المطارف ولا يمنعون المعارف:
وفيهم مقامات حسان وجوههم * وأندية ينتابها القول والفعل على مكثريهم حق من يعتريهم * وعند المقلين السماحة والبذل ولو طرحت بالأستاذ أيدي الغربة إليهم لوجد مثال البشر قريبا ومحط الرحل رحيبا ووجه المضيف خصيبا ورأيه أيده الله في أن يملأ من هذا الضيف أجفان عينه ويوسع أعطاف ظنه ويجيبه بموقع هذا العتاب الذي معناه ود والمر الذي يتلوه شهد موفق إن شاء الله تعالى:
الجواب من الخوارزمي:
انك ان كلفتني ما لم أطق * ساءك ما سرك مني من خلق فهمت وما تناوله سيدي من خشن خطابه ومؤلم عتابه وصرفت ذلك منه إلى الضجر الذي لا يخلو منه من نبا به دهر ومسه من الأيام ضر والحمد لله الذي جعلني موضع أنسه ومظنة مشتكى ما في نفسه اما ما شكاه سيدي من مضايقتي إياه زعم في القيام. وتكلفي لرد السلام فقد وفيته حقه كلاما وسلاما وقياما على قدر ما قدرت عليه ووصلت إليه ولم ارفع عليه غير السيد أبي البركات العلوي وما كنت لأرفع أحدا على من جده الرسول وامه البتول وشاهداه التوراة والإنجيل وناصراه التأويل والتنزيل والبشير به جبرائيل وميكائيل واما عدم الجمال ورثة الحال فما يضعان عندي قدرا ولا يضران نجرا وانما اللباس جلدة والزي حلية بل قشرة وانما يشتغل بالجل من لا يعرف قيمة الخيل ونحن بحمد الله نعرف الخيل عارية من جلالها ونعرف الرجال بأقوالها وأفعالها لا بالاتها وأحوالها واما القوم الذين صدر سيدي عنهم وانتمى إليهم ففيهم لعمري فوق ما وصف حسن عشرة وسداد طريقة وجمال تفصيل وجملة ولقد جاورتهم فنلت المراد وأحمدت المراد:
فان أك قد فارقت نجدا وأهله * فما عهد نجد عندنا بذميم والله يعلم نيتي للاخوان عامة ولسيدي من بينهم خاصة فان أعانني على مرادي له ونيتي فيه بحسن العشرة بلغت له بعض ما في الفكرة وجاوزت مسافة القدرة وان قطع علي طريق عزمي بالمعارضة وسوء المؤاخذة صرفت عناني عن طريق الاختيار بيد الاضطرار:
فما النفس الا نطفة بقرارة * إذا لم تكدر كان صفوا غديرها وعلى هذا فحبذا عتاب سيدي إذا صادف ذنبا واستوجب عتبا فاما ان يسلفنا العربدة ويستكثر المعتبة والموجدة فتلك حالة نصونه عنها ونصون أنفسنا عن احتمال مثلها فليرجع بنا إلى ما هو أشبه به وأجمل له ولست أسومه أن يقول استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين ولكن أسأله أن يقول لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين.
رقعة البديع الثالثة إلى الخوارزمي انا أرد من الأستاذ سيدي شرعة وده وان لم تصف والبس خلعة بره وان لم تضف وقصاراي ان أكيله صاعا بصاع ومدا عن مد وان كنت في الأدب دعي النسب ضعيف السبب ضيق المضطرب سئ المنقلب أمت إلى عشرة أهله بنيقة وأنزع إلى خدمة أصحابه بطريقة، ولكن بقي ان يكون الخليط منصفا في الاخاء عادلا في الوداد إذا زرت زار وان عدت عاد، والأستاذ سيدي أيده الله ضايقني في القبول أولا وناقشني في الاقبال ثانيا، فاما حديث الاستقبال وامر الإنزال والأنزال فنطاق الطمع ضيق عنه غير متسع لتوقعه منه، وبعد فكلفة الفضل هينة وفروض الود متعينة وطرق المكارم بينة وأرض العشرة لينة، فلم اختار قعود التعالي مركبا وصعود التغالي مذهبا وهلا ذاد الطير عن شجر العشرة إذا كان ذاق الحلو من ثمرها، وقد علم الله ان شوقي قد كد الفؤاد برحا على برح ونكاه قرحا على قرح، فهو شوق داعيته محاسن الفضل وجاذبته بواعث العلم ولكنها مرة مرة ونفس حرة لم تقد الا بالاعظام ولم تلق الا بالاكرام وإذا استعفاني سيدي الأستاذ من معاتبته واستعادته ومؤاخذته إذا جفا واستزادته وأعفى نفسه من كلف الفضل يتجشمها فليس الا غصص الشوق أتجرعها وحلل الصبر أتدرعها فلم أعره من نفسي وانا لو أعرت جناحي طائر لما طرت الا إليه ولا حلقت الا عليه:
أحبك يا شمس النهار وبدره * وان لامني فيك السهى والفراقد وذاك لأن الفضل عندك باهر * وليس لان العيش عندك بارد جواب الخوارزمي عنها شريعة ودي لسيدي أدام الله عزه إذا وردها صافية وثياب بري إذا قبلها ضافية هذا ما لم يكدر الشريعة بتعنته وتصعبه ولم يخترق الثياب بتجنيه وتسحبه فاما الإنصاف في الاخاء فهو ضالتي عند الأصدقاء ولا أقول:
واني لمشتاق إلى ظل صاحب * يرق ويصفو ان كدرت عليه