لكلامي موقعا من قلبه لاغتنمت خدمته به ولكن خشيت أن تقول هذه بضاعتنا ردت إلينا واثنان قلما يجتمعان الخراسانية والإنسانية وإني وان لم أكن خراساني الطينة فاني خراساني المدينة والمرء من حيث يوجد لا من حيث يولد والإنسان من حيث يثبت لا من حيث ينبت فإذا انضاف إلى تربة خراسان ولادة همذان ارتفع القلم وسقط التكليف والجرح جبار والجاني حمار (1) فليحملني على هناتي أ ليس صاحبنا يقول:
لا تلمني على ركاكة عقلي * ان تصورت أنني همذاني وكتب إلى مستميح عاوده مرارا وقال لم لا تجود بالذهب كما تجود بالأدب.
مثل الإنسان في الاحسان مثل الأشجار في الأثمار سبيل من أتى بالحسنة أن يرفه إلى السنة وأنا لا أملك عضوين من جسدي وهما فؤادي ويدي أما الفؤاد فيعلق بالوفود وأما اليد فتولع بالجود ولكن هذا الخلق النفيس لا يساعده الكيس وهذا الطبع الكريم ليس يحتمله الغريم ولا قرابة بين الأدب والذهب قلما جمعت بينهما، والأدب لا يمكن ثرده في قصعة ولا صرفه في ثمن سلعة ولي مع الأدب نادرة، جهدت في هذه الأيام بالطباخ أن يطبخ من جيمية الشماخ لونا فلم يفعل وبالقصاب أن يذبح أدب الكتاب فلم يقبل وأنشدت في الحمام ديوان أبي تمام فلم ينجع ودفعت إلى الحجام مقاطعات اللجام فلم يأخذ واحتيج في البيت إلى شئ من الزيت فأنشدت من شعر الكميت ألفا ومائتي بيت فلم يغن ولو وقعت أرجوزة العجاج في توابل السكباج ما عدمتها عندي ولكن ليست تقع فما اصنع فان كنت تحسب اختلافك إلي إفضالا علي فراحتي أن لا تطرق ساحتي وفرجي أن لا تجي والسلام.
وله إلى صديق يستدعي منه بقرة: وقد احتيج في الدار إلى بقرة فلتكن صفوفا تجمع بين قعبين في حلبة كما تنظم بين دلوين في شربة ولتكن عوان السن بين البكر والمسن ولتكن رخصة اللحم جمة الشحم كثيرة الطعم سريعة الهضم فاقعة اللون واسعة البطن واجهد أن تكون كبيرة الخلق لتكون في العين أهيب ضيقة الحلق ليكون صوتها في الأذن أطيب واحذر أن تكون نطوحا أو سلوحا ولتكن مطاوعة عند الحلب ألوفة للراعي الذي يرعاها مجيبة لصوته إذا دعاها مهتدية إلى المنزل ولا أظنك تجدها اللهم الا أن يمسخ القاضي بقرة وهو على رأي التناسخ جائز فاجهد جهدك وابذل ما عندك والسلام.
وكتب إليه إبراهيم بن أحمد بن حمزة يهنئه بمرض أبي بكر الخوارزمي فاجابه يقول: الحر أطال بقاءك لا سيما إذا عرف الدهر معرفتي، ووصف أحواله صفتي، إذا نظر علم أن نعم الدهر ما دامت معدومة فهي أماني، فإذا وجدت فهي عوارى، وإن محن الأيام إن مطلت فستنفذ وإن لم تصب فكان قد، فكيف يشمت بالمحنة من لا يأمنها في نفسه، ولا يعدمها في جنسه، والشامت أن أفلت فليس يفوت، وإن لم يمت فسوف يموت، وما أقبح الشماتة بمن أمن الإماتة فكيف بمن يتوقعها بعد كل لحظة، وعقيب كل لفظة، والدهر غرثان طعمه الخيار، وظمان شربه الأحرار.
فهل يشمت المرء بأنياب آكله أم يسر العاقل بسلاح قاتله. وهذا الفاضل شفاه الله، وأن ظاهرنا بالعداوة قليلا، فقد باطناه ودا جميلا، والحر عند الحمية لا يصاد، ولكنه عند الكرم ينقاد، وعند الشدائد تذهب الأحقاد، فلا تتصور حالي الا بصورتها من التوجع لعلته، والتحزن لمرضته، وقاه الله المكروه، ووقاني سماع السوء فيه بحوله ولطفه.
ومن رقعة له يعز علي أن ينوب أيد الله الشيخ في خدمته قلمي عن قدمي ويسعد برؤيته رسولي دون وصولي ويرد مشرع الأنس به كتابي قبل ركابي ولكن ما الحيلة والعوائق جمة:
وعلي أن أسعى وليس * علي ادراك النجاح وقد حضرت داره وقبلت جداره وما بي حب الحيطان ولكن شغف بالقطان ولا عشق الجدران ولكن شوق إلى السكان.
وله من رسالة إلى فقيه نيسابور وجدتك أيدك الله تعجب أن يجحد لئيم فضل صديقك فحفض عليك رحمك الله أن الذي تعجب منه يسير في جنب ما يجحده الإنسان أن الله تعالى خلق أقواما وشق لهم أسماعا وأبصارا فغاضوا بها على عرق الذهب حتى قصدوه ولم يزالوا بالنجم حتى رصدوه واحتالوا للطائر فانزلوه من جو السماء والحوت فاخرجوه من جوف الماء ثم جحدوا من هذه الأفكار الغائصة والأذهان الناقدة صانعهم فقالوا أين وكيف حتى رأوا السيف.
ومن مقاماته المقامة البغدادية وهي: حدثنا عيسى بن هشام قال اشتهيت الازاذ وانا ببغداد وليس معي عقد على نقد فخرجت فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره ويطرف بالعقد ازاره فقلت ظفرنا والله بصيد وحياك الله أبا زيد من أين أقبلت وأين نزلت ومتى وافيت وهلم إلى البيت فقال السوادي لست بأبي زيد ولكني أبو عبيد فقلت لعن الله الشيطان أنسانيك طول العهد فكيف حال أبيك فقال قد نبت المرعى على دمنته فقلت انا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فمددت يد البدار إلى الصدار أريد تمزيقه فقبض السوادي على خصري وقال نشدتك الله لا مزقته فقلت هلم إلى البيت نصب غداء أو إلى السوق نشتري شواء فاستفزته حمية القرم وطمع ولم يعلم أنه وقع ثم أتينا شواء فقلت أفرز لأبي زيد من هذا الشواء ثم زن له من تلك الحلواء واختر له من تلك الأطباق وانضد عليها أوراق الرقاق وشيئا من ماء السماق ليأكله أبو زيد هنيئا فانحنى الشواء بساطوره على زبدة تنوره فجعلها كالكحل سحقا ثم جلس وجلست حتى استوفينا وقلت لصاحب الحلوى زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين فهو أجرى في الحلوق وأمضى في العروق وليكن رقيق القشر كثيف الحشو يذوب كالصمغ قبل المضغ ليأكله أبو زيد هنيئا فوزنه ثم قعد وقعدت حتى استوفيناه وقلت يا أبا زيد ما أحوجنا إلى ماء يشعشع بالثلج يفثا هذه اللقم اجلس يا أبا زيد حتى آتيك بسقاء ثم خرجت وجلست بحيث أراه ولا يراني أنظر ما يصنع فلما أبطأت عليه قام إلى حماره فاعتلق الشواء بإزاره وقال أين ثمن ما أكلت فقال أكلته ضيفا فلكمه لكمة وثنى عليه بلطمة وقال متى دعوناك فجعل السوادي يبكي ويحل عقده بأسنانه ويقول كم قلت لذلك القريد أنا أبو عبيد وهو يقول أنت أبو زيد فأنشدت:
اعمل لرزقك كل آلة * لا تقعدن بكل حاله وانهض بكل عظيمة * فالمرء يعجز لا محاله