ساحل نهر ارس ونصبوا خيامهم هناك، وأقاموا الجسور على جانبي النهر وأغلقوا الطرق، ولم يكتب لأي من الجانبين النصر والفوز، فأقام الجانبان فترة من الزمن وأخيرا عاد بايسنقر إلى شيروان، وعاد السلطان علي بادشاه وآيبه سلطان إلى تبريز.
في غضون ذلك تمرد الحاجي بايندر حاكم أصفهان على رستم ميرزا فقرأ الخطبة باسم بايسنقر. مما دفع ببايسنقر للتوجه إلى آذربيجان مرة أخرى على رأس جيش كبير. فأرسل الأمير رستم ميرزا مرة أخرى السلطان علي ميرزا ومعه آيبه سلطان وأفواجا من عساكر الصوفية والتركمان لمواجهة بايسنقر.
فالتقى الجيشان بالقرب من اهر ومشكين، ودارت الحرب بين الفريقين، فكانت الهزيمة للبايسنقريين وقتل بايسنقر وعاد السلطان علي ميرزا مظفرا منصورا إلى مدينة تبريز، فرحب به الأمير رستم خير ترحيب، ثم أرسل سيدنا إلى أردبيل حيث جلس سيدنا على كرسي الهداية والارشاد.
وما أن سمع رستم ميرزا باجتماع الصوفيين المخلصين حول السلطان علي ميرزا حتى اشتعلت نار الحسد في ضميره واستدعى سيدنا مع إخوته إلى تبريز، وأمر جماعة من حاشيته بمراقبتهم وعدم السماح للصوفيين بالاجتماع بهم، ولكن الاجتماع بهم سرا كان في ازدياد. فلما علم ميرزا رستم بذلك فكر في أحوال أولاد السلطان حيدر مليا وانتهى التفكير به إلى القضاء على سيدنا.
ولكن أحد أفراد ميرزا رستم أبلغ سيدنا بما يكيد لهم ميرزا رستم، فانتهى بهم الأمر لأن يغادروا تبريز في إحدى الليالي راكبين نحو أردبيل. فلما سمع ميرزا رستم بذلك أرسل آيبه سلطان ومعه أربعة آلاف راكب لملاحقة السلطان الجليل، فوصل إلى سيدنا بالقرب من شماسبي وهي منطقة قريبة من أردبيل.
ويقال: إن عدد حاشية السلطان علي ميرزا آنذاك كان لا يتجاوز السبعمائة شخص. ولم يكن بمقدور هذا الفوج القليل الوقوف بوجه تلك الجماعة الكثيرة، فما كان عليهم إلا أن يتدبروا الأمر ويبحثوا عن مفر لهم.
ولما كان سيدنا قد أدرك بنور ولايته، موعد استشهاده قرر تعيين أخيه إسماعيل ميرزا الذي كانت تتلألأ أنوار الملك على ناصيته وليا للعهد ونائبا عنه، فسلمه رموز وأسرار الأسرة في الارشاد التي كان قد ورثها عن أبيه العظيم الشأن وأجداده الكرام، ووضع تاجه الكريم على رأس أخيه وسلمه إلى كبار الحاشية وأوصاهم به وقال: إن سراج الملك في هذه العائلة سيبقى مضيئا بواسطتك.
وبعد هذه الوصية خاض المعركة وكان أن انتصر المعارضون في النهاية ووقع سيدنا شهيدا. وبعد هذه الواقعة حصلت الفرقة بين أصحاب الرأي وتناثر كل واحد إلى صوب.
إلا أن حسين بيك خادم شاملو وخليفة الخلفاء الذي كان قد عرف آنذاك بخادم بيك ومعه دده بيك نقلوا جثمانه الطاهر إلى دار الارشاد في أردبيل، ودفنوه في الحظيرة المباركة المنورة الصفية الصفوية. رحمه الله تعالى.
الشاه إسماعيل إن الأول في سلسلة سلالة السلاطين المشهورين المظفرين هو النواب الخاقان السليمان الشأن صاحب القران الشاه إسماعيل روح الله روحه. ولما كانت العناية الأزلية وإرادة واهب العطيات قد وعدت باستجابة دعاء، واستدعاء سماحة سلطان الأولياء، وبرهان الأصفياء في صومعة عارف المعارف الربانية الشيخ زاهد الكيلاني، وكان قد طلب من العلي المنان السلطة الدنيوية والأخروية كما ذكرنا سابقا وما كان مقصوده السلطة الصورية والحكم والمال، بل كان مقصوده السلطة المعنوية، والسعادة، ورواج مذهب الأئمة الاثني عشر، وكلمة علي ولي الله الطيبة، واستخلاص الشيعة الإمامية الناجية، وأنصار وأصحاب الإمام علي من بلية التقية، ولما كانت الحكمة الربانية البالغة والقدرة الإلهية الكاملة قد قررت وقدرت ظهور كل ملة ودولة في وقت معين من الزمان، فقد بزغ شمس السلطة العظمى من مطلع المراد، في أشرف الأوقات وأسعد الساعات، وولد ذلك الدر الكريم من الصدفة الكريمة علمشاه بيگم ابنة حسن ملك التركمان بتاريخ يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر رجب سنة اثنين وتسعين بعد الثمانمائة وكان قد مضى على وفاة الملك حسن المذكور عشر سنوات في طالع العقرب في دار الارشاد بأردبيل بتأييد من الرب الجليل.
وكانت كنيته الشريفة أبو المظفر واشتهر بعد العروج إلى معارج السلطة والحكم بصاحب القران، ولما أن بلغ السادسة من العمر، انتخبه أخوه الكريم الشاه سلطان علي قبل يوم واحد من استشهاده وليا للعهد، وسلمه ودائع الارشاد وأسرار أمانة أجداده الكرام. وفي اليوم الثاني فاز سيدنا بشرف الشهادة، وما كان على الصوفيين المخلصين الأوفياء إلا أن يخفوا كوكب الولاية عن أنظار الحاقدين، وجاءوا به إلى المدينة وأخفوه. وبعد مرور أربعين يوما رأوا من الأفضل عدم البقاء في مدينة أردبيل واستشاروا والدته المحترمة ففضلت التوجه نحو كيلان. وفي سنة ثمان وتسعين وثمانمائة توقف بصحبة أخيه الكريم السيد إبراهيم ميرزا في بلدة رشت، وكان واليها آنذاك الأمير إسحاق، حيث قدم الخدمة اللازمة، ومن ثم توجه إلى منطقة لاهيجان حيث قدم واليها كاركيا ميرزا علي الخدمة اللازمة أيضا. وبعد مدة اشتاق السيد إبراهيم لرؤية والدته الماجدة فتوجه إلى مدينة أردبيل، تاركا سيدنا مع جمع من الخواص والحاشية هناك منتظرا اللطيفة الغيبية. وكان سيدنا الشريف يبلغ من العمر آنذاك سبع سنوات. وكانت إقامة سيدنا في كيلان خمس أو سبع سنوات.
وفي سنة تسعمائة وخمس وكان سيدنا آنذاك يبلغ من العمر اثني عشر عاما توجه إلى مدينة آستارا وأقام فيها فصل الشتاء. ولما أن بلغه خبر التمرد في ضياع التركمان اقتضت الضرورة أن يتوجه نحو آذربيجان. إلا أن كاركيا ميرزا علي التمس إليه مخلصا بان يمكث هناك أياما معدودات، ليزداد عدد الأصحاب الأوفياء المخلصين. فمكث أياما معدودة. وفي اليوم الأول من شهر جمادى الثانية سنة تسعمائة وست وبقوة ومن يتوكل على الله فهو حسبه ودع كاركيا ميرزا علي وتوجه مع عدد من أفراد حاشيته إلى دار الارشاد في أردبيل.
وكان لسيدنا من الأولاد الذكور ستة وهم: الأول طهماسب ميرزا، والثاني سام ميرزا الذي ولد في مدينة مراغة بتاريخ يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شهر شعبان سنة تسعمائة وثلاث عشرة وكان درمش خان خادمه الخاص، والثالث رستم ميرزا الذي ولد بتاريخ يوم الجمعة السادس