الولد اثني عشر ولدا، ولي الأمر منه بعده أكبرهم محمد (1).
إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي ع.
مرت ترجمته في الصفحة 230 من المجلد الثالث وننشر عنه هنا دراسة ثانية:
إدريس ممن شهد مجزرة فخ (2) فيمن شهدها من العلويين كما شهدها أخوه يحيى. وقد سلمهما الله فنجيا، فاما يحيى فإنه فر إلى الشرق حتى بلغ بلاد الديلم ودعا الناس فبايعوه فجهز إليه الرشيد جيشا بقيادة الفضل بن يحيى البرمكي، فكاتبه الفضل وبذل له الأمان فأجاب إلى السلم ولكنه طلب يمين الرشيد وأن يكون بخطه ويشهد فيه الأكابر، ففعل ذلك وحضر يحيى إلى بغداد فأكرمه الرشيد ثم حبسه حتى مات في السجن وفي ذلك يقول أبو فراس الحمداني:
يا جاهدا في مساويهم * يكتمها غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم.
وأما إدريس فإنه فر ولحق بمصر، وعلى بريدها واضح مولى صالح بن المنصور، وكان واضح يتشيع لآل البيت، فعلم شان إدريس وأتاه إلى الموضع الذي كان مستخفيا فيه ولم ير شيئا أخلص له من أن يحمله على البريد إلى المغرب ففعل، ولحق إدريس بالمغرب الأقصى هو ومولاه راشد فنزل بمدينة وليلى سنة 172، وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة من البربر البرانس، فأجاره وأكرمه وجمع البربر على القيام بدعوته، وخلع الطاعة العباسية، فانتهى الخبر إلى الرشيد بما فعله واضح في شان إدريس فقتله وقال ابن أبي زرع في كتاب القرطاس: إن إدريس لما قتلت عشيرته بفخ مر بنفسه متسترا في البلاد يريد المغرب فسار من مكة حتى وصل إلى مصر ومعه مولى له اسمه راشد فدخلها والعامل يومئذ لبني العباس هو علي بن سليمان الهاشمي فبينما إدريس وراشد يمشيان في شوارع مصر إذ مرا بدار حسنة البناء فوقفا يتأملانها، وإذا بصاحب الدار قد خرج فسلم عليهما وقال: ما الذي تنظرانه من هذه الدار فقال راشد: أعجبنا حسن بنائها قال: وأظنكما غريبين ليسا من هذه البلاد فقال راشد: جعلت فداك إن الأمر كما ذكرت قال: فمن أي الأقاليم أنتما قال راشد: من الحجاز. قال: فمن أي بلاده؟ قالا: من مكة. قال: وأخالكما من شيعة الحسنيين الفارين أرى لك صورة حسنة وقد توسمت فيك الخير أرأيت إن أخبرناك من نحن أكنت تستر علينا؟ قال: نعم ورب الكعبة وأبذل الجهد في صلاح حالكما فقال راشد هذا إدريس بن عبد الله بن حسن وأنا مولاه راشد، فررت به خوفا عليه من القتل ونحن قاصدون بلاد المغرب فقال الرجل:
لتطمئن نفوسكما فاني من شيعة آل البيت وأول من كتم سرهم فأنتما من الآمنين.
ثم أدخلهما منزله وبالغ في الاحسان إليها فاتصل خبرهما بعلي بن سليمان صاحب مصر، فبعث إلى الرجل الذي هما عنده فقال له: إنه قد رفع إلي خبر الرجلين اللذين عندك وإن أمير المؤمنين قد كتب إلي في طلب الحسنيين والبحث عنهم، وقد بث عيونه على الطرقات وجعل الرصاد على أطراف البلاد فلا يمر بهم أحد حتى يعرف نسبه وحاله، وإني أكره أن أتعرض لدماء آل البيت فلك ولهم الأمان فاذهب إليهما وأعلمهما بمقالي وأمرهما بالخروج من عملي وقد أجلتهما ثلاثا.
فسار الرجل فاشترى راحلتين لإدريس ومولاه واشترى لنفسه أخرى وصنع زادا يبلغهما إلى أفريقية وقال لراشد: اخرج أنت مع الرفقة على الجادة وأخرج أنا وإدريس على طريق غامض لا تسلكه الرفاق وموعدنا مدينة برقة.
فخرج راشد مع الرفقة في زي التجار، وخرج إدريس مع المصري فسلكا البرية حتى وصلا إلى برقة وأقاما بها حتى لحق بهما راشد، ثم جدد لهما المصري زادا وودعهما وانصرف.
وسار إدريس وراشد يجدان السير حتى وصلا إلى القيروان.
فأقاما بها أياما، فلما لم يجد إدريس بها مراده خرج مع مولاه راشد حتى انتهيا إلى مدينة وليلى قاعدة جبل زرهون.
وكانت مدينة متوسطة حصينة كبيرة المياه والغروس والزيتون، وكان لها سور عظيم من بنيان الأوائل، يقال إنها المسماة اليوم بقصر فرعون. فنزل بها إدريس على صاحبها ابن عبد الحميد الأوربي، فاقبل عليه ابن عبد الحميد وبالغ في إكرامه وبره، فعرفه إدريس بنفسه وأفضى إليه بسره فوافقه على مراده وأنزله معه في داره وتولى خدمته والقيام بشؤونه.
وكان دخول إدريس المغرب ونزوله على ابن عبد الحميد بمدينة وليلى غرة ربيع الأول سنة اثنين وسبعين ومائة.
بيعة إدريس بن عبد الله لما استقر إدريس بن عبد الله بمدينة وليلى عند كبيرها إسحاق بن محمد بن عبد الحميد الأوربي أقام عنده ستة أشهر فلما دخل شهر رمضان من السنة جمع ابن عبد الحميد عشيرته من أوربة وعرفهم بنسب إدريس وقرابته من رسول الله ص وقرر لهم فضله ودينه وعلمه واجتماع خصال الخير فيه، فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا به وشرفنا بجواره، وهو سيدنا ونحن العبيد، فما تريد منا؟ قال: تبايعونه قالوا: ما منا من يتوقف عن بيعته فبايعوه بمدينة وليلى يوم الجمعة رابع رمضان سنة 172 وكان أول من بايعه قبيلة أوربة على السمع والطاعة والقيام بأمره، والافتداء به في صلواتهم وغزواتهم وسائر أحكامهم.
وكانت أوربة يومئذ من أعظم قبائل البربر بالمغرب الأقصى وأكثرها عددا وثلثها في نصرة إدريس والقيام بأمره كل من مغيلة وصدنية.
ولما بويع إدريس خطب الناس فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه أيها الناس لا تمدن الأعناق إلى غيرنا، فان الذي تجدونه من الحق عندنا لا تجدونه عند غيرنا.
ثم بعد ذلك وفدت عليه قبائل زناتة والبربر مثل زواغة وزواوة وسدراتة وغياثة ومكناسة وغمارة وكافة البربر وتمكن سلطانه وقويت شوكته.
ولحق به من إخوته سليمان بن عبد الله ونزل بأرض زناتة من تلمسان