وضواحيها وآذربيجان والعراق قرى ومزارع من ماله، وأوقفها على البقعة المباركة حيث كان دخلها السنوي ما يقارب الأربعة الآلاف تومان. وقد اشتهرت بأوقاف الأمير تيمور القديمة وقد يشرف عليها إلى يوم القيامة السلاطين الصفوية أدام الله اقبالهم. هذا عدا أوقاف السلاطين الصفوية العليين، التي يبلغ دخلها السنوي ألفي تومان مخصصة للإضاءة ورواتب الخذمة والنفقات الأخرى.
ولما بدت علائم الوصول إلى الكعبة المنشودة، أجلس نجله الكريم السيد إبراهيم على كرسي ارشاد وفارق الحياة في يوم الثلاثاء الثامن عشر من شهر رجب سنة ثمانمائة وثلاثين، ودفن في تلك الأرض المقدسة. وكان له من الأولاد ثلاثة وهم: الشيخ إبراهيم، والشيخ عبد الرحمن، والسيد جعفر.
السلطان السيد إبراهيم:
وكان قد اشتهر بين أعوانه ومريديه بالشيخ شاه، واهتم حسب تعاليم آبائه وأجداده بارشاد خلق الله وهدايتهم. ولما استولى عليه المرض أمر نجله الكريم السلطان جنيد بارشاد الناس وهدايتهم، وانتقل إلى جوار رحمة ربه في يوم السبت من سنة ثمانمائة وواحد وخمسين، ودفن بجوار آبائه العظام. وكان له من الأولاد الذكور ستة وهم: قطب الأبدال والأوتاد الشيخ جنيد، والشيخ أبو سعيد، والسيد أحمد، والشيخ بايزيد، وخواجة جان ميرزا، والشيخ خواجكى.
السلطان جنيد:
وما أن اعتلى كرسي السيادة والديانة وإرشاد الناس حتى تداعى عليه أن ينصب نفسه ملكا وسلطانا. فتهافت إلى عتبته العلية أرباب الاخلاص من كل صوب وحدب. فبلغت أخبار السلطان جنيد وما يتمتع به من الحشمة والإمكانيات وعدد الأنصار والموالين إلى أسماع ميرزا جهانشاه تركمان ملك زمانه وحاكم آذربيجان والعراقين، فخاف على نفسه، وكان يرسل باستمرار أناسا إلى سيدنا ويلمح له بامكانه أن يسافر إلى أي مكان يرتئيه. فما كان على سيدنا إلا أن يختار مدينة ديار بكر فتوجه إليها. وكان يرافقه في هذا السفر عدد من الصوفيين وبعض من يؤمن بالأسرة الصفوية. وكان يحكم نصف مدينة ديار بكر آنذاك الأمير الكبير أبو النصر حسن بيك آق قوينلو، ولم يكن يخضع لحكم ميرزا جهانشاه. فلما بلغه بشرى وصول موكب السلطان جنيد السعيد غمرته الفرحة والسرور، ورحب بسيدنا خير ترحيب، وزاد في تكريمه وإعزازه، وعين كلا من الأمراء والأشراف والأعيان من الصوفية بما يليق به من منصب ومكان. وأخيرا انتهت الوحدة والصداقة بينهما إلى المصاهرة حيث زوج شقيقته الشريفة خديجة بيگم لسيدنا وبهذا زاد في صيت دولته.
وأقام السلطان جنيد في تلك الديار فترة من الزمن وبعد مدة اشتاق لوطنه فاستأذن حسن بيك وتوجه عائدا إلى دار الارشاد. ومرة أخرى التهبت نار الغيرة في صدر ميرزا جهانشاه وتبادل معه الرسل والرسائل. فاختار ثواب الجهاد وتوجه ومعه عشرة آلاف من الجنود الصوفية إلى شيروان لمحاربة الجركس. وعلى أي تقدير وبتحريض من طغاة طبرسران حاول والي الولاية السلطان خليل منعه من التوجه نحو الجركس. فوقع حرب بينه وبين السلطان جنيد، فاستشهد سيدنا على أيدي جند شيروانشاه.
وجاء في كتاب فتوحات الأميني: أن الصوفية من الصفويين نقلوا جثمان سيدنا الشريف إلى دار الارشاد في أردبيل ودفنوه في الروضة المقدسة. وكتب إسكندر بيك المنشي في كتاب تاريخ عالم آرا أن جمعا من أهالي طبرسران الموالين لهذه العائلة أخرجوا جثمانه الطاهر من أرض المعركة ودفنوه في قرية خودمان من ضواحي قبه وساليان في مكان مناسب، وهو الآن مهبط أنوار الفيض والرحمة ومطاف أهالي الولاية. وقد يكون كذلك أي دفنوه أولا في هذا المكان، ثم نقلوا جثمانه بعد ذلك إلى مدينة أردبيل. والله أعلم. وكان لهذا الأمير الذائع الصيت ولدان: أحدهما السلطان حيدر وهو ابن أخت حسن ملك التركمان، والآخر، خواجة محمد، وكانت والدته جارية كان قد جاء بها من غزوة الجركس.
السلطان حيدر:
كان يسلك حسب تعاليم آبائه وأجداده وأن الملك حسن بن علي باشا بن قرا عثمان باشا الذي تمكن بحسن حظه أن يقضي على ميرزا جهانشاه، واعتلى كرسي الحكم، عامل سيدنا معاملة مخلصة وشعبية، ولما كان قد عزم على تعزيز وتثبيت علاقاته مع القادم الجديد زوجه ابنته حليمة بيگم المعروفة بعلم شاه بيگم، في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر رجب سنة اثنين وتسعين وثمانمائة، وكانت عتبته دائما مكان اجتماع الخاص والعام، إلى أن رأى ليلة في المنام أنه كلف من عالم الغيب أن يصنع تاجا ذا اثني عشر ضلعا وهي علامة الاثني عشرية، من السقرلاط الأحمر، وأن يأمر أنصاره بوضعه على رؤوسهم.
فلما شاهد السلطان حيدر هذا الحال رمى بقبعته إلى السماء فرحا، وبدل طاقية الأتراك التي كانت متعارفة ومعمولة في ذلك الزمن إلى تاج حيدري ذي اثني عشر ضلعا، واشتهروا لذلك بالقزلباش. وازدادت يوما بعد يوم حشمتهم وصيتهم وسيادتهم، كما زاد توافد أهل الوفاء والاخلاص نحوهم أكثر من ذي قبل. وتمتع جميع الناس من فوائد فضائلهم ونعمهم. إلى أن جمع بين السلطة الصورية والمعنوية بايعاز من مشايخ أهل الله في الباطن، وطلبا لكرسي السيادة حسب الظاهر. وكان الأمير الكبير الملك حسن يعامل جميع أنصار العتبة الحيدرية بالوفاق والوداد وكان معارضا لكل أمر لا يرتضيه ابن أخته وصهره.
وقضى أياما بالعز والسؤدد إلى أن وافته المنية، وحسب ما يقول مولانا أبو بكر صاحب كتاب تاريخ سلاطين التركمان: إن الأمير حسن بيك ودع سرير الحكم في سنة ثمانمائة وثمانين، وكان له من الأولاد سبعة هم: أغورلو محمد سلطان، ومقصود سلطان، وزنيل سلطان، وخليل سلطان، ويعقوب سلطان، ويوسف سلطان، ومسيح سلطان. وقد توفي أغورلو محمد في حياة والده، وكان يوسف سلطان ومسيح سلطان في خدمة أخيهما يعقوب سلطان، وتولى السلطة السلطان خليل، ومن بعده السلطان يعقوب. واستشار السلطان حيدر وابن خاله السلطان يعقوب، استشارا أنصار السلالة الصفوية، وانتهت المشورة بالتوجه نحو داغستان حيث كان سكانها بعيدين عن حلية الايمان. فأرسلا الرسل إلى الصوفيين الأوفياء والملازمين المخلصين، فتوجهوا أفواجا أفواجا نحن سرادق العزة والجلال. فرفع سيدنا راية التوجه نحو الهدف، فما كان لصيت جيش سيدنا إلا أن أوقع الخوف والارتباك في شيروانشاه بن السلطان خليل، حيث تصور أن السلطان حيدر يعتزم الهجوم