مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٢٠
إلخ، كان يحدث سابقا، فيقول ابن سينا:
فإنك إذا تأملت أكثر الجبال، رأيت الانحفار الفاصل فيما بينهما متولدا من السيول. ولكن ذلك أمر إنما تم وكان في مدد كثيرة، فلم يبق لكل سيل أثره، بل إنما يرى الأقرب منها عهدا. وأكثر الجبال الآن إنما هي في الارضاض والتفتت، وذلك لأن عهد نشوئها وتكونها إنما كان مع انكشاف المياه عنها يسيرا يسيرا، والآن فإنها في سلطان التفتت، إلا ما شاء الله من جبال وإن كانت تتزايد بسبب مياه تتحجر فيها، أو سيول تؤدي إليها طينا كثيرا فيتحجر فيها.
ويتبع ابن سينا ذلك بدلائل من مشاهداته الشخصية ومشاهدات غيره فيقول: فقد بلغني أنه قد شوهد في بعض الجبال، وأما ما شاهدته أنا فهو في شط جيحون، وليس ذلك الموضع مما يستحق أن يسمى جبلا. فما كان من هذه المنكشفات أصلب طينة وأقوى تحجرا وأعظم حجما، فإنه إذا انهار ما دونه، بقي أرفع وأعلى.
ينتقل ابن سينا بعد ذلك إلى تعليل تكوين الرسوبيات في الوديان التي بين الجبال، ويصفها بأنها ليست من المادة الأصلية للجبال وإنما هي منقولة بعد تفتت الجبال، وهذا ما هو معروف الآن برسوبيات بين الجبال، فيقول:
وأما عروق الطين الموجودة في الجبال فيجوز أن تكون تلك العروق ليست من صميم مادة التحجر، لكنها من جملة ما تفتت من الجبال وترسب وامتلأ في الأودية والفجاج، وسالت عليه المياه، ورطبته وغشيته أرهاص الجبال، أو خلطت به طينتها الجيدة. ويجوز أن يكون القديم أيضا من طين البحر غير متفق الجوهر أي المادة، فيكون من تربته ما يتحجر تحجرا قويا، ومنه ما لا يتحجر ومنه ما يسترخي تحجره لكيفية ما غالبه فيه، أو لسبب من الأسباب التي لا تعد.
ويعلل ابن سينا الرسوبيات الحديثة أيضا بأنها رسوبيات بحر قد طفي على اليابسة وعند انكشافه فإنها تتحجر، ولكن صخور الجبل القديمة تكون قابلة للتفتت أكثر، فيقول:
ويجوز أن يعرض للبحر أيضا أن يفيض قليلا قليلا على بر مختلط من سهل وجبل، ثم ينضب عنه، فيعرض للسهل منه أن يستحيل طينا، ولا يعرض ذلك للجبل. وإذا استحال طينا كان مستعدا لأن يتحجر عند الانكشاف أي ظهور الحجارة ويكون تحجره تحجرا سافيا قويا. وإذا وقع الانكشاف على ما تحجر، فربما يكون المتحجر القديم في حد ما استعد للتفتت. ويجوز أن يكون ذلك يعرض له عكس ما عرض للتربة، من أن هذا يرطب ويلين ويعود ترابا، وذلك يستعد للحجرية.
ويشبه ابن سينا التفتت بتجارب قد عملها فيقول:
كما إذا نقعت آجرة وترابا وطينا في الماء، ثم عرضت الآجرة والطير والتراب على النار، عرض للآجرة أن زادها الاستنقاع استعدادا للتفتت بالنار ثانيا، والتراب والطين استعدادا للاستحجار أقوى.
ويختتم ابن سينا فصله الشيق عن الجبال فيعرض فلسفة علمية قد عرفت في الجيولوجيا الحديثة بما يسمى بقانون تتابع الطبقات:
وهو أن الطبقات التي تترسب أولا هي الأقدم، والتي تليها هي الأحدث إذا لم يحدث ميل، فيقول:
ويجوز أن ينكشف البر عن البحر وكل بعد طبقه، وقد يرى بعض الجبال كأنه منضود سافا سافا، فيشبه أن يكون ذلك قد كانت طينتها في وقت ما كذلك سافا سافا، بان كان ساف ارتكم أولا ثم حدث بعده في مدة أخرى ساف آخر فارتكم، وكان قد سال على كل ساف جسم من خلاف جوهره، فصار حائلا بينه وبين الساف الآخر، هذا ما يسمى الآن بعدم التوافق، فلما تحجرت المادة عرض للحائل أن انشق وانثره ما بين السافين. وأن حائلا بين أرض البحر قد تكون طينته رسوبية، وقد تكون طينية قديمة ليست رسوبية ويشبه أن يكون ما عرض له انفصال الارهاص من الجبال رسوبيا. فهكذا تتكون الجبال.
وبهذا يكون ابن سينا قد جاء بكل المستلزمات الأساسية لنشوء علم الأرض الجيولوجيا بالمعنى الحديث الذي نعرفه الآن، فقد أكمل ملاحظات الأقدمين وزادها بملاحظاته، ونظمها وأخرج منها غير المعقول وصاغها الصياغة العلمية الصحيحة الجيدة. وما جاء به العلماء الغربيون من بعده بعدة قرون لم يكن سوى زيادة المشاهدة بعد ما قرأوا علومه، وأعطوه الاصطلاح العلمي الأوروبي، ونسبوا تلك المفاهيم والقوانين لهم، ونسوا أو تناسوا ما صنع هذا العالم الجليل.
حمد البيك بن محمد بن محمود بن نصار.
اشتهر باسمين معا: فبعض يطلق عليه اسم: حمد المحمود، وبعض اسم حمد البيك.
مرت ترجمته في الصفحة 230 من المجلد السادس، ونزيد عليها هنا ما يلي:
مما تميز به عهد حمد البيك بروز نهضة شعرية في جبل عامل اجتمع فيها ثلة من الشعراء حول حمد فكانوا شيئا متميزا في الحياة الشعرية في جبل عامل على امتداد هذه الحياة قبلهم وبعدهم.
ولا بد لنا قبل الدخول في التفاصيل من أن نلم إلماما موجزا بتلك الحياة التي تسلسل فيها الشعر العاملي منذ صدر الاسلام حتى عهد أولئك الشعراء:
في العهد الأموي لقد ماشت الحياة الشعرية في جبل عامل أزهى العهود العربية ثم لما ابتدأت تلك العهود بالانحدار ظلت هي في طريقها السليم لم تتعسف ولم تتدهور. ففي العهد الأموي مثلا عندما تألق جرير والفرزدق والأخطل، وتوارى الشعراء من طريقهم فخلت الساحة لهم وحدهم يصولون ويجولون، تصدى لهم شاعر عاملي فنازلهم وثبت لهم، واستطاع ان يظفر ببعضهم ظفرا مرموقا، ولم يجرؤ غيره على أن ينزل من البلاط الحاكم منزلتهم، هذا الشاعر هو عدي بن الرقاع العاملي، وليد هذا الجبل وربيبه وخريجه. ومن المؤلم أن مدرسي الأدب عندنا ودارسيه يجهلون كل شئ عنه، في حين أنه كان شيئا مدوي الأثر حتى إن شاعرا فحلا مثل أبي تمام لا يأنف عن التمدح به والاستشهاد بذكره فيقول:
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370