وكان لآل الصحاف وجود مرموق في الأحساء والكويت، كما لهم امتداد في كل من البحرين والقطيف وسوق الشيوخ من العراق.
والمترجم واحد من ثلاثة إخوة، كلهم علماء أجلاء، ثانيهم الشيخ حسين الصحاف، وثالثهم الشيخ كاظم الصحاف الشاعر الكبير المعروف، وآباء المترجم أيضا وأجداده كلهم من العلماء والشعراء.
ونحن لا نعلم عن مولده شيئا، غير أنه عاش جل حياته في الكويت، حيث كان يعيش فيها أبوه وجده، ولعله ولد بها، وفي الكويت أيضا تلقى جل دروسه العلمية على والده الشيخ علي وجده الشيخ محمد، حتى أصبح في عداد العلماء الفضلاء.
وكان جده الشيخ محمد الصحاف مرشدا دينيا في الكويت، ووكيلا من قبل المرجع الديني الشيخ محمد حسين أبو خمسين، فلما توفي الشيخ الصحاف سنة 1313 انتخب حفيده صاحب الترجمة ممثلا ووكيلا في جميع الشؤون الدينية عن الشيخ أبو خمسين المذكور. وبعد برهة يسيرة من الزمن قرر المترجم مغادرة الكويت والتوجه إلى النجف الأشرف، للحصول على رتبة أعلى في العلم، وكان ذلك على ما يبدو بعد وفاة المرجع الشيخ محمد حسين أبو خمسين سنة 1316، وفي النجف الأشرف حط المترجم رحله، وعاد يواصل دراسته العلمية. ولولا أن الموت عاجله لتقدم وفاق، إذ توفي قبل أن يتجاوز عهد الشباب.
علمه وفضله وذكره أخوه الشيخ كاظم الصحاف في كتابه تذكرة الأشراف وصرح:
بأنه كان عالما فاضلا مراهقا للاجتهاد، وقال في شانه أيضا: وكان الشيخ أحمد مع ارتقائه في العلم تقيا، عابدا، زاهدا، متهجدا، وكاتبا ماهرا، وشاعرا باهرا.
له ديوان شعر مخطوط يحتوي على جملة من القصائد في مدح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الكرام (1).
مسكويه أحمد بن محمد مرت ترجمته في الصفحة 158 من المجلد الثالث، وننشر هنا ما كتبه عنه محمد حسين ظاظا:
نعرض اليوم بايجاز لفيلسوف إسلامي، أخرج للناس دستورا إيجابيا أخلاقيا طريفا قوامه المنطق الصحيح والذوق السليم، بحيث لو تبعوه في حياتهم لنالوا به السعادة الحق دنيا وآخرة. ونعني به الفيلسوف أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه صاحب كتاب تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، وهو الكتاب المعروف الذي نصح الإمام محمد عبده بتدريسه في الأزهر إلى جانب الاحياء للغزالي، والذي قام علي باشا رفاعة بنشره وتبويبه، والذي شرع سعد زغلول في اختصاره والتعليق عليه دون أن يتمه.
1 - عصره عاش ابن مسكويه (2) في العصر العباسي، الذي يمتاز بشدة ضعف الخلافة العباسية، وبقيام دويلات لا يعترف أكثرها للخليفة بغير السلطة الاسمية. ويهمنا من هذه الدويلات الدولة البويهية 320 - 447 ه لأن ابن مسكويه عاش ومات في كنفها. وكان ملوكها يحبون العلم والأدب ولا يستوزرون أو يستكتبون إلا عظماء الأدباء كالمهلبي وابن العميد وابن عباد وغيرهم. وكانت مجالسهم أبدا حافلة بكبار الشعراء والعلماء والفلاسفة ومن على شاكلتهم. لذلك لا عجب أن يمتاز هذا العصر بنضج العلم، وتكوين المعاجم اللغوية، واستقرار الإنشاء على أسلوب مثالي. ولا عجب أن تنمو الفلسفة وتزهر، وتستقر قواعد الطبيعيات والطب، ويتسع خيال الشعراء، ويظهر الشعر الفلسفي، وينمو فن التاريخ والجغرافيا، ويظهر النقد الأدبي، وتؤلف القصص المجازية، وتنتشر المكاتب حاوية لألوف المخطوطات، أجل ولا عجب أن يظهر أمثال ابن سينا، وابن مسكويه، والهمذاني، والخوارزمي، والمتنبي، وأبي فراس، والأصفهاني، والقالي والثعالبي، والتوحيدي، والصابي، والشريف الرضي، والتنوخي، والطبري.
2 - حياته وعسير جدا أن نتلمس حياته فيما ترك من كتب أو فيما ذكر عنه الكتاب والمؤرخون. وكل ما قد استطعنا كشفه من المؤلفات والتراجم العديدة التي اطلعنا عليها، هو أنه ولد حوالي عام 330 ه ومات في 9 صفر سنة 421 ه 16 فبراير سنة 1030 م، وكان مولده بالري في أسرة فارسية شريفة. وسرعان ما يترك والده أمه، فيبقى هو راعيا لها حتى تتزوج بغير أبيه، فيتركها وينزح إلى بغداد شابا. وهناك يتصل بالوزير المهلبي حوالي سنة 348 ه ويدخل في خدمته ككاتم لسره، ويبقى إلى جانبه ينادمه ويسامره حتى عام 352 ه، وهو عام وفاة الوزير، ومن ثم يعود إلى الري حيث يلتحق بخزانة الوزير العظيم ابن العميد وينال ثقته ومحبته وصداقته، ويبقى معه حتى عام سنة 360 ه لينتقل بعد وفاته إلى خدمة ولده الوزير أبي الفتح. وقد بقي في خدمة هذا الشاب حتى تنكر له الدهر ودخل الوزير السجن سنة 366 ه. ثم التحق بعدئذ بخدمة عضد الدولة الذي استولى على بغداد، كما التحق بعده بخدمة صمصام الدولة وشرفها حتى عام 379 ه، وهو العام الذي دخل فيه في خدمة بهاء الدولة واختص به وعظم قدره عنده. وهكذا انتقل ابن مسكويه من خدمة وزير إلى سلطان، حتى هرم وشعر بدنو الموت، فانتقل كما يقول صاحب روضات الجنات إلى أصبهان حيث مات عام 421 ه.
3 - ثقافته وأخلاقياته وقد تثقف ثقافة أدبية واسعه، ونهل من مجالس العلم ومكتباته، وعنى عناية خاصة بالأخلاق فدرس حكمها عند الفرس والعرب والهنود والروم، وجمع ما راقه من هذه الحكم وأخرجه في كتاب لا يزال مخطوطا. هذا إلى أنه قرأ ما قد خلفه أرسطو وأفلاطون وجالينوس في هذه الناحية ومحصه تمحيصا. وكأنما دفعته تربيته العائلية السليمة، وقلبه الكبير الحي، وتجربته الأليمة في مجالس السلاطين والوزراء، إلى إنقاذ عصره والعصور التي تليه من السياسة الخرقاء والأخلاق المعتلة، فراح يقرأ في الأخلاق ويؤلف، ويخرج للناس كتبا فيها من المنطق الصحيح ما يهديهم إلى كمالهم الإنساني، ويأخذ بيدهم إلى طريق الفضائل والعلوم لتتم لهم السعادة التي ينشدونها عبثا في تلك الخيرات الوهمية الخارجية، خيرات الكون والفساد. وقد تجلت هذه النزعة فيما ترك من عهد عاهد فيه نفسه أن يجاهدها ويتفقد أمرها ما استطاع، فيعف ويشجع ويحكم، ويقتصد