بلاط ملكها محمود فحماه وألحقه بخدمته، وظل طامحا إلى ما هو أبعد من ذلك، مترقبا الفرص المؤاتية، فاستأذن محمودا بالسفر إلى الحج، ولما أذن له قصد إلى راجبوتانه عابرا صحراء السند وصولا إلى همايون فلقيه سنة 950 1543 م في بلدة جون التي كانت في ذلك الوقت عبارة عن أطلال. وكان همايون الإمبراطور المشرد حينذاك يكافح مستيئسا لاسترداد ملكه.
وقد رافقه بيرم في ذهابه إلى قندهار السنة 950 1543 م مستنجدا بأخيه ميرزا عسكري.
ولكنه لم يجد منجدا، بل اضطر للنجاة بنفسه مع رفيقه بيرم ملتجئين إلى الشاه طهماسب ملك إيران الذي استنصره همايون فنصره، ولما طلب الشاه طهماسب إلى بيرم أن ينضم إليه ويعمل معه، اعتذر بأدب عن تلبية طلب الشاه وآثر ملازمة همايون مواسيا له بنفسه مرافقا له في الكفاح المرير لاسترداد العرش المفقود، وقد قاد بيرم بعد ذلك جيش همايون في معارك ناجحة السنة 961 1554 م، ثم توج ذلك بانتصاره الحاسم على سكندر سور السنة 963 1555 م في ماتشهيوار، وقد أبدى في انتصاره هذا من النبل والشهامة ما لم يكن مألوفا في أخلاق المنتصرين في تلك العهود في معاملة المقهورين.
وكانت نتيجة هذه المعركة ضمان مستقبل همايون في التربع على عرش الهند، وكان الفضل في ذلك لبيرم خان.
وفي السنة 962 1555 م عهد إلى بيرم تقديرا لجهوده بان يكون أتالق لمحمد أكبر الذي كان لا يزال يومذاك في الثالثة عشرة من عمره، وصار يلقب بلقب خان بابا أي والد الخان، وأصبح بمكان الأب لمحمد أكبر. ثم رافقه بعد ذلك إلى البنجاب التي عين أكبر واليا عليها.
ولما فوجئ الناس بوفاة همايون كان بيرم يطارد فلول جيش سكندر سور في كلانور فبادر في الحال للسيطرة على الوضع وأعلن حلول أكبر محل أبيه.
ولم يلبث هيمو قائد جيش سور أن هاجم دهلي ففر منها الوالي المغولي تردي بك بدون مقاومة، فامر بيرم باعدامه ليكون عبرة للآخرين، ويبدو أن بيرم لم ينس له أنه عند ما لجا همايون إلى قندهار العام 950 كما مر وطلب من تردي بك أن يعيره جواده لتمتطيه زوجته حميدة بانو بيگم أم الطفل أكبر عند اضطراره مع بيرم للنزوح عن المدينة التي خابا فيها لم ينس بيرم أن تردي بك رفض أن يعيره الجواد وعامله بغلظة، فجاءت الفرصة المناسبة الآن ليعاقبه بيرم على تخليه عن الدفاع عن المدينة فارا منها بدون مقاومة، متذكرا غلظته في رفضه إعارة الجواد ومعاملة همايون وبيرم معاملة مهينة أيام المحنة...
وفي العام 964 1556 م التقى بيرم وهو قائد قوات الأمبراطورية المغولية بقوات هيمو في موقعة بانيبست، فانتصر بيرم انتصارا كاسحا، وأسر هيمو بعد ما جرح، فامر بيرم بقتله بموافقة ضمنية من همايون، وقد ليم بيرم على قتله أسيرا جريحا، ولكن الظرف كان فيما يرى المدافعون عنه يسمح بمثل هذه المعاملة لثائر متمرد على الدولة يريد أن ينتزع تاج ملكها لنفسه.
وبهذا النصر الذي شتت الجيش الأفغاني وضع بيرم حدا لعدم الاستقرار، وتم أمر الهند لمحمد أكبر امبراطورا غير منازع، يحكم وصيه بيرم الهند باسمه. وبذلك بلغ بيرم أوج سلطانه. ثم ازداد تألقه بزواجه سنة 965 1557 م من سليمة سلطان بيگم، وهي ابنة عم أكبر وابنة كل رخ شقيقة همايون، حيث صار جزءا من الأسرة المالكة.
على أن إنصاف بيرم للشيعة، ورفعه الاضطهاد عنهم، ومراعاة كفاءة أصحاب الكفاءات منهم، لا سيما في مناصب الدولة، ومن ذلك تعيينه الشيخ كدائي كمبوه الدهلوي صدرا للصدور السنة 966 1558 1559، قد أثار عليه نقمة المتعصبين.
على أن أكبر نفسه كان يضايقه تدخل بيرم في متعه الصبيانة كما يعبر عنها أحد المؤرخين ثم بعد ذلك عدم إغداق المال عليه وعلى الأسرة المالكة، فتزعمت ما هم أتكه مرضعة أكبر جماعة من رجال القصر للدس على بيرم وإفساد ما بينه وبين أكبر وتفاقمت الأمور على بيرم وشعر أن الأحوال تسير في غير ما يهواه، وبعد أن سلم بالأمر الواقع وتخلى عن الكثير من سلطاته عاد معلنا التمرد، ولكنه لم ينجح في تمرده، فتغاضى أكبر عن تمرده ولم يؤاخذه عليه، ذاكرا له حسن بلائه مع أبيه في قيام الأمبراطورية المغولية.
وعزم بيرم على الحج إلى بيت الله الحرام، وبوصوله إلى بتن في الرابع عشر من جمادى الأولى السنة 968 1561 م اغتاله هناك رجل أفغاني كان أبوه قد قتل في معركة ماتشهيواره ونهب مخيم بيرم وتشردت أسرته، وفيها ولده الطفل عبد الرحيم، ولجأت معدمة إلى أحمدآباد، ونقل جثمانه إلى دهلي حيث دفن مؤقتا، وفي السنة 179 1563 1564 نقل إلى جوار الإمام الرضا ع في مشهد، وقبره ذو القبة العالية معروف هناك.
وإذا كانت هذه حياة بيرم السياسية، فان له حياة أخرى مقرونة بالعلم والشعر، فقد كان عالما في العلماء، شاعرا في الشعراء، ينظم بالفارسية والتركية. وقد لقي العلماء والأدباء والفنانون والصناع منه كل الرعاية والعطف. ولم يستطع متعصب شديد التعصب مثل البداءوني أن يتجاهل مزايا بيرم فاضطر للثناء عليه، وهو الذي لم يسلم من ثلبه أحد.
وفي السنة 1910 برز بيرم الشاعر بنشر ديوانه في كلكته.
وقد أدرك أكبر المدين هو وأبوه من قبله بعرشيهما لبيرم مقدار الجحود فيما فعله ببيرم، فاحتضن ولده اليتيم ميرزا عبد الرحيم خان، الذي أصبح بعد ذلك يحمل لقب أبيه خان خانان راجع: بابر.
جارية بن قدامة السعدي.
مرت ترجمته في الصفحة 58 من المجلد الرابع. ولما كان هو القامع لحركة ابن الحضرمي في البصرة رأينا أن ننشر هنا تفاصيل تلك الحركة ودور جارية في قمعها، وإننا نعتمد في ذلك على كتاب الغارات لابن هلال الثقفي:
لما أصاب معاوية بن أبي سفيان محمد بن أبي بكر بمصر وظهر عليها دعا عبد الله بن عامر الحضرمي فقال له: سر إلى البصرة فان جل أهلها يرون رأينا في عثمان ويعظمون قتله وقد قتلوا في الطلب بدمه وهم موتورون حنقون لما أصابهم، ودوا لو يجدون من يدعوهم ويجمعهم وينهض بهم في الطلب بدم