باوزون حسن بيك لأنه صهره، فلما توفي أوزون حسن بيك ولي موضعه ولده السلطان خليل ستة أشهر، ثم ولده الثاني السلطان يعقوب فزوج بنته حليمة بيگم من الشيخ حيدر، فولدت له شاه إسماعيل في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من رجب سنة 892 وكان على يديه هلاك ملوك العجم طائفة آق قوينلو وقره قوينلو وغيرهم من سلاطين العجم كما هو معروف مشهور.
وكان الشيخ جنيد جمع طائفة من مريديه وقصد قتال كرجستان ليكون من المجاهدين في سبيل الله (1) فتوهم منه سلطان شروان أمير خليل الله شروان شاه فخرج إلى قتاله فانكسر الشيخ جنيد وقتل وتفرق مريدوه، ثم اجتمعوا بعد مدة على الشيخ حيدر وحسنوا له الجهاد والغزو في حدود كرجستان، وجعلوا لهم رماحا من أعواد الشجر وركبوا في كل عود سنانا من حديد، وتسلحوا بذلك، وألبسهم الشيخ حيدر تاجا أحمر من الجوخ فسماهم الناس قزلباش، وهو أول من ألبس التاج الأحمر لأتباعه. واجتمع عليه خلق كثير، فأرسل شروان شاه إلى السلطان يعقوب بن أوزون حسن يخوفه من خروج الشيخ حيدر على هذه الصفة، فأرسل له أميرا من أمرائه اسمه سليمان بك بأربعة آلاف نفر من العسكر، وأمره أن يمنعهم من هذه الجمعية فان لم يمتنعوا أذن له أن يقاتلهم، فمضى إلى الشيخ حيدر ومنعه من هذه الجمعية فما أطاعه، فاتفق مع شروان شاه فقاتلاه ومن معه، فقتل الشيخ حيدر وأسر ولده شاه إسماعيل وهو طفل، وأسر معه أخواله وجماعته، وجاء بهم سليمان بك إلى السلطان يعقوب فأرسل بهم إلى قاسم بك الفرناك وكان حاكم شيراز من قبل السلطان يعقوب، وأمره أن يحبسهم في قلعة أصطخر فحبسهم بها واستمروا محبوسين فيها إلى أن توفي السلطان يعقوب في سنة 899، وتولى بعده السلطان رستم، ونازعه في السلطنة أخوانه وتفرقت المملكة واستقل في كل قطر واحد من أولاد السلطان يعقوب. فهرب أولاد الشيخ حيدر إلى لاهيجان من بلاد كيلان، وخرج من أخوان شاه إسماعيل خواجة شاه علي بن الشيخ جنيد وجمع عسكرا من مريدي والده وقاتل بهم فقتل في أيام السلطان رستم بن السلطان يعقوب ثم توفي السلطان رستم وولي مكانه السلطان مراد بن يعقوب وألوند بيك ابن عمه، وكان شاه إسماعيل في لاهيجان في بيت صائغ يقال له نجم زرگر، وبلاد لاهيجان فيها كثير من الفرق الضالة كالرافضة والحروفية والزيدية وغيرهم، فتعلم منهم شاه إسماعيل في صغره مذهب الرفض، فان آباءه كان شعارهم مذهب السنة السنية، وكانوا مطيعين منقادين لسنة رسول الله ص ولم يظهر الرفض غير شاه إسماعيل. فطلبه من أمراء ألوند بيك جماعة، وطلبوه من سلطان لاهيجان فأبى أن يسلمه لهم فأنكر وحلف لهم أنه ما هو عندي وورى في يمينه، وكان مختفيا في بيت نجم زرگر، وكان يأتيه مريدو والده خفية ويأتونه بالنذور ويعتقدون فيه ويطوفون بالبيت الذي هو ساكن فيه إلى أن أراد الله ما أراد وكثرت داعية الفساد، واختلفت أحوال البلاد باختلاف السلاطين وكثرة العناد بين العباد، ولو كان فيها آلهة إلا الله لفسدت.
وحينئذ كثر أتباع شاه إسماعيل فخرج هو ومن معه من لاهيجان وأظهر الخروج لأخذ ثار والده وجده في أواخر سنة 905، وعمره يومئذ ثلاث عشرة سنة، وقصد مملكة الشروان لقتال شروان شاه قاتل أبيه وجده، وكلما سار منزلا كثر عليه داعية الفساد، واجتمع عليه عسكر كثير إلى أن وصل إلى بلاد شروان، فخرج لمقاتلته شروان شاه بعساكره وقاتلوه وقاتلهم فانهزم عسكر الشروان، وأسر شروان شاه فاتوا به إلى شاه إسماعيل أسيرا، فامر أن يضعوه في قدر كبير ويطبخوه ويأكلوه، ففعلوا كما أمر وأكلوه (2) وكان ذلك أول فتوحاته.
ثم توجه إلى قتال ألوند بيك فقاتله وانهزم منه واستولى على خزائنه وقسمها في عسكره، وصار يقتل كل من ظفر به قتلا ذريعا (3) ولا يمسك شيئا من الخزائن بل يفرقها في الحال. ثم قاتل مراد بيك بن السلطان يعقوب فهزمه في الحال، وأخذ خزائنه وفرقها على عسكره، ثم صار لا يتوجه إلى بلاد إلا فتحها ويقتل جميع من فيها (4) وينهب أموالهم ويفرقها إلى أن ملك تبريز وآذربيجان وبغداد وعراق العرب وعراق العجم وخراسان وكاد أن يدعي الربوبية (5) وكان يسجد له عسكره ويأتمرون بأمره، وقتل خلقا لا يحصون ينوف على ألف ألف نفس بحيث لا يعهد في الاسلام ولا في الجاهلية ولا في الأمم السابقة من قتل من النفوس ما قتله شاه إسماعيل (6) وقتل عدة من أعاظم العلماء (7)، بحيث لم يبق أحدا من أهل العلم في بلاد العجم، وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم لأنها مصاحف أهل السنة (8)، وكلما مر بقبور المشايخ نبشها وأخرج عظامهم وأحرقها (9)، وإذا قتل أميرا من الأمراء أباح زوجته وأمواله لشخص آخر. ومن جملة مضحكاته أنه جعل كلبا من كلاب الصيد أميرا ورتب له ترتيب الأمراء من الخدم، والكواخي، والسماط، والليلاو، والأوطاق، والفرش الحرير ونحو ذلك، وجعل له سلاسل من ذهب ومرتبة ومسندة يجلس عليها كالأمراء (10). وسقط مرة منديل من يده إلى البحر وكان في جبل شاهق مشرف على البحر المذكور فرمى نفسه خلف المنديل من عسكره فوق ألف نفس تحطموا وتكسروا وغرقوا (11) وكانوا يعتقدون فيه الألوهية (12) ويعتقدون أنه لا ينكسر ولا ينهزم إلى غير ذلك من الاعتقادات الفاسدة.