بقفر به لم يحجب الشمس * حاجب فوجه الثرى كالشمس ما الشمس تطلع وعاطشة ودت بان دموعها * تبل بها حر الغليل وتنقع ومدهشة بالخطب حتى عن البكا * أذيب به منها فؤاد موزع ومزعجة من هجمة الخيل خدرها * تضم الحشا بالراحتين وتجمع وموحشة باتت على فقد قومها * تنوح كما ناح الحمام وتسجع ملخصة عن دراسة لمحمد العوامي محمود بن الحسين المعروف بكشاجم.
مرت ترجمته في الصفحة 103 وما بعدها من المجلد العاشر. ونزيد عليها هنا الدراسات الآتية مكتوبة بقلم الدكتورة ثريا ملحس، وهي بعض ما كتبته عنه في رسالتها الجامعية النفيسة التي نالت بها شهادة الدكتوراه في الآداب والتي كانت من أفضل ما صدر من دراسات أدبية.
اسمه، وكنيته ولقبه لقد اتفق جميع نساخ ديوان كشاجم ومؤلفاته التي استطعنا أن نطلع عليها، من أقدمها نسخا إلى أحدثها، على أن اسم كشاجم هو محمود بن الحسين، وأن كنيته هي أبو الفتح، وأنه الكاتب المعروف بلقبه كشاجم الذي أصبح علما له، وأنه، كما تبين لنا، منتسب إلى السندي بن شاهك.
كذلك اتفق جميع الذين التقاهم من الأصدقاء الشعراء والأدباء والمؤرخين على اسمه وكنيته ولقبه العلم المعروف به. ولعل الشاعر الأنطاكي الحلبي الصنوبري الذي قامت بينه وبين كشاجم المطارحات، والمساجلات، والمعارضات، والمعاتبات، والمهاداة، هو أول من عرفنا بكنيته أبي الفتح، في إحدى معاتباته الشعرية، كذلك بلقبه كشاجم. وقد يكون المسعودي المؤرخ أقدم من عرفنا بكشاجم، ممن التقوه، تعريفا حسنا، فقال: هو أبو الفتح، محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك، الكاتب المعروف بكشاجم، وكان من أهل العلم والرواية والمعرفة والأدب، وقد أخذ عنه الرواية. كما روى له من لطائفه الشعرية مما يناسب المقال. وقد تبين لنا أن أبا محمد المظفر بن نصر بن سيار الوراق، روى لكشاجم نحو 133 بيتا في كتابه الطبيخ مما يناسب المطبوخات، والمأكولات، ذاكرا كنيته واسمه، وأحيانا لقبه، وأن بعض المرويات سمعها من كشاجم نفسه. أما أبو بكر الزبيدي فقد سمع منه خبرا عن أبي الحسن الأخفش النحوي، أستاذ كشاجم، فرواه في طبقاته. ونرجح أنه التقى السري الرفاء الموصلي الشاعر بالموصل، أو ببغداد، أو بحلب. وكان السري أحد المعجبين بشعر كشاجم، إنما لم يشر السري الرفاء في ديوانه إلى ما يوحي بذلك، غير أن رواية الثعالبي في يتيمته، عن علاقة السري الرفاء بكشاجم، قد تناقلها الرواة، والمؤرخون، وكتاب السير حين كانوا يكتبون عن السري، فكان السري في طريق كشاجم يذهب، وعلى قالبه يضرب، على حد قول الثعالبي، كما نرجح أن السري الرفاء، بعد موت كشاجم، راح ينسخ ديوانه، ويورقه، ويرتزق به، وهو إذ ذاك ريحان أهل الأدب بتلك البلاد. أما لقاء الثعالبي كشاجم فقد تبين لنا عدم صحته. ولعل الناسخ أضاف حرفي النون والياء في أنشدني، أو لعله أسقط لفظة ابن، فالمعروف أن ابن أبي الفتح كشاجم، أبا الفرج، كان يروي أشعار أبيه وينشدها.
أما الأدباء والنقاد والمؤرخون القدماء الذين عاشوا في أواسط القرن الرابع الهجري القرن العاشر الميلادي، حتى أواخره، ممن لم يلتقوا كشاجم، فقد اتفقوا جميعا كذلك على كنيته، أبي الفتح، وعلى اسمه، محمود بن الحسين، وعلى لقبه العلم، كشاجم. وقد ذكروه في سياق ما رووه له من شعره. ولعل أقدمهم الناقد أبو الحسن الجرجاني في وساطته، وقد أشار إلى بعض استعارات كشاجم الحسنة، مفضلا إياها على استعارات المتنبي في مثلها، في صفة السحاب، وفي وصف الكمال، وقد اتهم الجرجاني المتنبي بسرقة معناه.
ثم روى شعر كشاجم أبو الحسن الشمشاطي في أنواره، وأبو عبد الله الحسن بن الحسين بازيار العزيز الفاطمي ظنا في بيزرته، وأبو علي الحاتمي في رسالته، والشابشتي في دياراته، وأبو هلال العسكري في معانيه.
أما أبو بكر الخوارزمي فكان من المعجبين بشعر كشاجم ولطائفه، وكان يرى أنه لا بد للمتخرج في الشعر من معرفة لطائف كشاجم، وقد جعله أحد الفحول الشعراء، حين عدهم، بجملته المشهورة التي شاعت بين الرواة، وهي: إن من روى حوليات زهير. واعتذارات النابغة، وأهاجي الحطيئة، وهاشميات الكميت، ونقائض جرير والفرزدق، وخمريات أبي نواس، وتشبيهات ابن المعتز، وزهديات أبي العتاهية، ومراثي أبي تمام، ومدائح البحتري، وروضيات الصنوبري، ولطائف كشاجم، وقلائد المتنبي، ولم يتخرج في الشعر، فلا أشب الله قرنه!
أما النديم (1) في فهرسته فترجم له باختصار شديد، مشيرا إلى بعض مؤلفاته، بقوله: أن كشاجم هو أبو الفتح، محمود بن الحسين، وأدبه وشعره مشهور، وهو من ولد السندي بن شاهك.
تحدثوا عن كشاجم أما الأدباء والمؤرخون والباحثون، من القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي، إلى القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي، فقد لهجوا بذكر كشاجم الشاعر، وتناقلوا شعره، ورووه في مؤلفاتهم مما يناسب المقال، فبلغ أشده، كما تجاوز عند بعضهم المئات. فالعمري، على سبيل المثل، جمع شعرا لكشاجم في مسالكه نحو 343 بيتا، وقد قال: وهي من جيد ما وقع لي من صالح أشعاره. أما الحصري القيرواني في زهره وذيله، فبلغ ما رواه نحو 340 بيتا، كما بلغ في كتب الثعالبي المختلفة ما يقارب 187 بيتا، وفي قطب السرور للرقيق النديم ما يقارب 109 أبيات، وفي محاضرات الأدباء للراغب الأصبهاني ما يقارب 114 بيتا.
وقد راح الرواة يتناقلون شعر كشاجم، مشيدين بوصفه وبلطائفه، وجميعهم اتفقوا كذلك على أنه محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك، المعروف بأبي الفتح كشاجم، وأنه من أكابر الشعراء المحدثين.
فإذا كان النديم أقدم مترجم لكشاجم في القرن الرابع الهجري، فلماذا لم يترجم له الثعالبي؟ وبناء عليه نرجح أن ترجمته قد سقطت من اليتيمة