أستاذ دار الخليفة أبي الفضل مجد الدين هبة الله بن علي بن هبة الله بن الصاحب، كان من أعيان الشيعة ببغداد، وقد روى شيئا من الحديث، وتوفي يوم الأحد تاسع المحرم من سنة 604، وصلي عليه في جامع القصر، ودفن في مشهد موسى بن جعفر على ساكنيه السلام وكان عمره نحوا من خمسين سنة.
الشيخ أحمد بن يوسف البحراني.
قال في تاريخ البحرين المخطوط:
ذكره الشيخ سليمان الماخوزي فاثنى عليه، وذكره صاحب البحار فعظمه حتى قال في وصفه: هو من مجددي المذهب.
قال جدي صاحب الحدائق: هو عالم فاضل، ومحقق كامل، له كتاب:
رياض الدلائل وحياض المسائل في الفقه لم يتم. ورسالة سماها المشكاة المضية في المنطق. ورسالة سماها: الأمور الخفية في المسائل المنطقية. وله شرح جيد على الشرائع قاله الحر في أمل الأمل.
وتوفي سنة 999.
الأحوص بن شداد الهمداني.
لما تقابل جيش إبراهيم بن مالك الأشتر مع جيش عبيد الله بن زياد على بعد خمسة فراسخ من الموصل، ثبت أهل العراق مستعدين للموت وهم يقولون: اللهم إننا ما خرجنا إلى حرب هؤلاء القوم إلا شارين بدمائنا وأموالنا الجنة، طالبين بدماء أهل بيت نبيك محمد ص، فانصرنا عليهم كيف شئت وأنى شئت، إنك على كل شئ قدير. قال:
فوقف الفريقان بعضهم ينظر إلى بعض، وتقدم رجل من عتاة أهل الشام ومردتهم يقال له عوف بن ضبعان الكلبي حتى وقف بين يدي الجمعين على فرس أدهم ثم نادى: ألا يا شيعة أبي تراب! ألا يا شيعة المختار الكذاب!
ألا يا شيعة ابن الأشتر المرتاب! من كان منكم يدل بشجاعته وشدته فليبرز إلي إن كان صادقا، وللقرآن معانقا! ثم جعل يجول في ميدان الحرب وهو يرتجز ويقول:
أنا ابن ضعبان الكريم المفضل * إني أنا الليث الكمي الهذلي من عصبة يبرون من دين علي * كذاك كانوا في الزمان الأول يا رجال! فما لبث أن خرج إليه الأحوص بن شداد الهمداني وهو يرتجز ويقول:
أنا ابن شداد على دين علي * لست لمروان ابن ليلى بولي لأصطلين الحرب فيمن يصطلي * أحوص نار الحرب حتى تنجلي قال: فجعل الشامي يشتم الأحوص بن شداد، فقال له الأحوص: يا هذا لا تشتم إن كنت غريبا، فان الذي بيننا وبينكم أجل من الشتيمة، أنتم تقاتلون عن بني مروان، ونحن نطالبكم بدم ابن بنت نبي الرحمن، فادفعوا إلينا هذا الفاسق اللعين عبيد الله بن زياد، الذي قتل ابن بنت نبي رب العالمين محمد ص، حتى نقتله ببعض موالينا الذين قتلوا مع الحسين بن علي، فإننا لا نراه للحسين كفؤا فنقتله به، فإذا دفعتموه إلينا فقتلناه جعلنا بيننا وبينكم حكما من المسلمين، فقال له الشامي: إننا قد جربنا كم في يوم صفين عند ما حكمنا وحكمتم، فغدرتم ولم ترضوا بما حكم عليكم. قال: فقال له الأحوص بن شداد: يا هذا إن الحكمين لم يحكما برضا الجميع، وأحدهما خدع صاحبه الآخر، والخلافة لا تعقد في الخديعة، ولا يجوز في الدين إلا النصيحة، ولكن ما اسمك أيها الرجل؟ فقال الشامي: اسمي منازل الأقران حلال! فقال له الأحوص بن شداد: ما أقرب الاسمين بعضهم من بعض، أنت منازل الأبطال، وأنا مقرب الآجال! ثم حمل عليه الأحوص والتقيا بضربتين ضربه الأحوص ضربة فسقط الشامي قتيلا، فجال الأحوص في ميدان الحرب ونادى: يا قتلة الحسين! هل من مبارز! فخرج إليه داود بن عروة الدمشقي مقنعا في الحديد على كميت له وهو يقول:
أنا ابن من قاتل في صفينا * قتال قرم لم يكن غبينا بل كان فيها بطلا حرونا * مجربا لدى الوغى كمينا فضمه إليه الأحوص بن شداد الهمداني وجعل يقول:
يا بن الذي قاتل في صفينا * ولم يكن في دينه غبينا كذبت قد كان بها مغبونا * مذبذبا في أمره مفتونا لا يعرف الحق ولا اليقينا * بؤسا له لقد مضى ملعونا ثم التقيا فضربه الأحوص ضربة ألحقه بصاحبه، ثم رجع إلى صفه (1).
إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن.
مرت ترجمته في الصفحة 229 من المجلد الثالث. وننشر هنا عنه دراسة ثانية:
ولد يوم الاثنين ثالث رجب سنة 177 وكان والده إدريس بن عبد الله قد توفي مسموما، وهو حمل كما هو مفصل في ترجمة أبيه الآتية (2) فكفله راشد مولى أبيه وقام بأمره أحسن قيام، فاقرأه القرآن حتى حفظه وهو ابن ثمان سنين، ثم علمه الحديث والسنة والفقه في الدين والعربية ورواه الشعر وأمثال العرب وحكمها وأطلعه على سر الملوك، وعرفه أيام الناس، ودربه على ركوب الخيل والرمي بالسهام وغير ذلك من مكايد الحرب، فلم يمض له من العمر إحدى عشرة سنة حتى كان قد اضطلع بما حمل، وترشح للأمر، واستحق لأن يبايع، فبايعه البربر وآتوه صفقتهم عن طاعة منهم وإخلاص.
قال ابن خلدون: بايع البربر إدريس الأصغر حملا، ثم رضيعا، ثم فصيلا، إلى أن شب فبايعوه بجامع مدينة وليلى سنة 188 وهو ابن إحدى عشرة سنة.
وكان إبراهيم بن الأغلب صاحب أفريقية قد دس إلى بعض البربر الأموال واستمالهم حتى قتلوا راشدا مولاه سنة 186، وحملوا إليه رأسه، وقام بكفالة إدريس من بعده أبو خالد يزيد بن إلياس العيدي، ولم يزل على ذلك إلى أن بايعوا لإدريس فقاموا بأمره وجددوا لأنفسهم رسوم الملك بتجديد طاعته.