خرجتم منها إلى الله فإنها لا تبقى لكم ولا تزهدوا فيما رغبتم فيه من ثواب الله فان ما عند الله خير لكم، يا بني عمي! إن هؤلاء الذين تقاتلونهم هم الذين قتلوا ابن بنت رسول الله الحسين بن علي وساروا برأسه إلى يزيد بن معاوية يريدون بذلك الزلفى والمرتبة والجائزة، ثم تقدم وهو يرتجز ويقول:
بؤسا لقوم قتلوا حسينا * بؤسا وتعسا لهم وحينا أرضوا يزيد ثم لاقوا شينا * ولم يخافوا بغيهم علينا ثم حمل وحمل معه قومه وعشيرته، ثم جعل يرتجز ويقول:
إني إلى الله من الذنب أفر * أنوي ثواب الله فيمن قد أسر وأضرب القرن بمصقول بتر * ولا أبالي كلما كان قدر فلم يزل يقاتل حتى قتل هو وبنو عمه.
السيد صدر الدين الصدر.
مرت ترجمته في مكانها من المستدركات، وقد عثرنا له على قصيدة ننشرها فيما يلي:
يا خليلي احبسا الجرد المهارا * وابكيا دارا عليها الدهر جارا وربوعا أقفرت من أهلها * وغدت بعدهم قفرا برارا حكم الدهر على تلك الربى * فانمحت والدهر لا يرعى زمارا كيف يرجى السلم من دهر على * أهل بيت الوحي قد شن المغارا لم يخلف أحمد إلا ابنة * ولكم أوصى إلى القوم مرارا كابدت بعد أبيها المصطفى * غصصا لو مست الطور لمارا هل تراهم أدركوا من أحمد * بعده في آله الأطهار نارا غصبوها حقها جهرا ومن * عجب أن تغصب الزهراء جهارا من سعى في ظلمها من راعها * من على فاطمة الزهراء جارا من غدا ظلما على الدار التي * تخذتها الأنس والجن مزارا طالما الأملاك فيها أصبحت * تلثم الأعتاب فيها والجدارا ومن النار بها ينجو الورى * من على أعتابها أضرم نارا والنبي المصطفى كم جاءها * يطلب الإذن من الزهراء مرارا وعليها هجم القوم ولم * تك لائت لا وعلياها الخمارا لست أنساها ويا لهفي لها * إذ وراء الباب لاذت كي توارى طاشتكين المستنجدي الأمير أبو المكارم.
قال الدكتور مصطفى جواد:
هو مجير الدين طاشتكين المستنجدي أمير الحاج، وزعيم بلاد خوزستان، كان شيخا خيرا حسن السيرة كثير العبادة مظهرا لتشيعه، حج باهل العراق وموالي الدولة العباسية سنة 566 وما بعدها وفي سنة 571 حدثت بينه وبين الأمير مكثر بن عيسى أمير مكة حرب وكان الخليفة المستضئ قد أمره بعزل مكثر عن الامارة وإقامة أخيه داود بن عيسى، وسبب ذلك أنه كان قد بنى قلعة على جبل أبي قبيس فلما سار الحاج عن عرفات لم يبيتوا بالمزدلفة وإنما اجتازوا بها فلم يرموا الجمار إلا بعضهم فإنهم رموها وهم سائرون، ثم نزلوا الأبطح فخرج إليهم ناس من أهل مكة فحاربوهم وقتل من الفريقين جماعة وصاح الناس: الغزاة إلى مكة، فهجموا عليها، فهرب أمير مكة مكثر وصعد إلى القلعة التي كان قد بناها على جبل أبي قبيس، فحصروه بها، ففارقها وسار عن مكة، وولي أخوه داود الامارة، وجرى في مكة ما يستنكر حينما يذكر، وفي سنة 592 خرج الأمير طاشتكين مع الوزير عضد الدين أبي الفرج محمد بن عبد الله بن رئيس الرؤساء والأمير غرغلي لحرب أحد الملوك وهو ابن ملكشاه بن محمود فإنه وصل في هذه السنة إلى خوزستان وصاحبها شملة فخربها ونهبها وفتك في الناس وسبى حريمهم وفعل كل قبيح، فوصل الخبر إلى بغداد وخرج الوزير عضد الدين وعرض العسكر ووصل عسكر الحلة وواسط مع الأمير طاشتكين، فساروا جميعا نحو العدو فلما سمع بوصولهم فارق مكانه وعاد وكان معه من التركمان جمع كثير، فنهبتهم العساكر البغدادية ولكنهم رجعوا من غير استثمار في العود، فأنكر الخليفة عليهم ذلك وأمرهم بالعودة إلى مواقفهم، فعادوا لأوائل شهر رمضان من السنة، وكان ابن ملكشاه قد رجع فنهب البندينجين المعروفة اليوم بمندلي، وأخذ منها ما كان سلم في الأول من النهب ووقعت بين الجيشين وقيعة ثم افترقوا وغادر ابن ملكشاه ولاية العراق وكان ابن جبير الرحالة قد اتفق حجه البيت الحرام سنة 579 وأمير الحاج طاشتكين قال وكانت محلة هذا الأمير العراقي جميلة المنظر بهية العدة راتفة المضارب والأبنية عجيبة القباب والأروق على هيئات لم نر أبدع منها منظرا، فأعظمها مضرب الأمير وذلك أنه أحدق به سرادق كالسور من كتان كأنه حديقة بستان أو زخرفة بنيان وفي داخله القباب المضروبة وهي كلها سواد في بياض مرقشة ملونة كأنها أزاهير الرياض وقد جللت صفحات ذلك السرادق من جوانبه الأربعة كلها أشكال درقية من ذلك السواد المنزل في البياض، يستشعر الناظر إليها مهابة يتخيلها درقا لمطية قد جللتها مزخرفات الأغشية، ولهذا السرادق الذي هو كالسور المضروب أبواب مرتفعة كأنها أبواب القصور المشيدة، يدخل منها إلى دهاليز وتعاريج ثم يفضي منها إلى الفضاء الذي فيه القباب وكان هذا الأمير ساكن في مدينة قد أحدق بها سورها تنتقل بانتقاله وتنزل بنزوله وهي من الأبهات الملوكية المعهودة التي لم يعهد مثلها عند ملوك المغرب، ثم قال في خبر بنت الأمير مسعود السلجوقي: وهي إحدى الخواتين الثلاث اللاتي وصلن للحج مع أمير الحاج أبي المكارم طاشتكين مولى أمير المؤمنين الموجه كل عام من قبل الخليفة وله يتولى هذه الخطة نحو الثمانية أعوام أو أزيد ثم قال: والأمير طاشتكين المتقدم الذكر يقيم بالحلة ثلاثة أيام إلى أن يتقدم جميع الحاج ثم يتوجه إلى حضرة خليفته، وهذه الحلة المذكورة طاعة بيده للخليفة كذا وسيرة هذا الأمير في الرفق بالحاج والاحتياط عليهم والاحتراس لمقدمتهم وساقتهم وضم نشر ميمنتهم وميسرتهم سيرة محمودة وطريقته في الحزم وحسن النظر طريقة سديدة وهو من التواضع ولين الجانب وقرب المكان على وتيرة سعيدة، نفعه الله ونفع المسلمين به.
وفي سنة 589 قبض الناصر لدين الله على أمير الحاج، قال ابن الأثير وكان نعم الأمير عادلا في الحاج رفيقا بهم محبا لهم له أوراد كثيرة من صلوات وصيام وكان كثير الصدقة، لا جرم وقفت أعماله بين يديه فخلص من السجن على ما نذكره إن شاء الله تعالى ثم عين الناصر لدين الله علي طاشتكين زعيما على بلاد خوزستان، وفي شوال من سنة 597 وصل إلى بغداد من خوزستان وخرج عز الدين نجاح الشرابي الأمير الكبير لتلقيه، ودخل دار الوزارة ولقي نصير الدين ناصر بن مهدي نائب الوزارة يومئذ، ثم حج بالناس في آخر هذه السنة وفي آخر سنة 598 وسنة 599 وسنة 600 ثم رجع