أما العدل وأما إنصاف المظلوم من الظالم، فنترك الحكم عليه لمعاصري حمد، فهم أدرى منا بالحقيقة، وهل كان الشاعر حين نظم هذا البيت ينطق بلسانهم، أم كان ينطق بلسانهم أولئك الذين مشوا بقيادة قاسم الزين للتظلم من حمد؟!.
والشاعر لا يخفي بعد ذلك، الغرض من قدومه من العراق وتجشمه العناء ونظمه الشعر، فهو يقول لحمد:
إليك أتت تطوي الفيافي ركائبي * من النجف الأعلى إلى دير قاسم براها السرى لم يبق غير إهابها * يقوم على أضلاعها والقوائم وها هي في مثواك ألقت رحالها * وأنت لها دون الورى خير راحم على أن هذا الشاعر كان إذا عجز عن القدوم إلى الجبل وإنشاد الشعر في البلاط الوائلي، وإذا حالت الأحوال دون أن يقدم مدائحه بنفسه بين يدي حمد يرسل القصائد من العراق، فتحقق غايتها وكانت قصائده المرسلة من العراق تتميز عن القصائد الأخرى بحرارة العاطفة وبما تتضمنه من شوق إلى جبل عامل وحنين لمرابعه.
وكما رأينا فان ما أوردناه من أبيات القصيدة الأولى إنما يمثل شعرا جافا لا رواء فيه، وكل القصيدة على نفس النمط. وأما القصيدة المرسلة من العراق فإنها مفتتحة بشعر عاطفي تتفجر فيه لواعج الشوق إلى الديار الأولى والأحبة النائين:
إلى عامل شوقي وفي القلب عامل * فيا ويح قلبي ما به الشوق عامل يحملني ما لا أطيق وإنه * ليثقل رضوى بعض ما أنا حامل فراق ووجد واشتياق ولوعة * وحزن وإن طال المدى متطاول وذكر حبيب نازح ومنازل * بعدن وفي قلبي لهن منازل وأجفان عين لا تجف دموعها * ونار لها بين الضلوع مشاعل فما أنسى لا أنسى الزمان الذي مضى * بعاملة والدهر عني غافل ويا حبذا لبنان من سفح عامل * ويا حبذا أجباله والسواحل ويمضي بعد ذلك في المديح مشيرا هذه المرة فيما يشير إلى ما عرف به حمد من الشعر والأدب:
فيا حبذا ذاك اليراع وحبذا * بنان غدت تجري به وتساجل ثم يعود إلى وقائع حمد ومعاركه قائلا فيما يقول:
حميت بلاد المسلمين وصنتها * وأنت لدين الله كاف وكافل وجمعت شمل العدل وهو مبدد * وفرقت شمل الجور والجور شامل فهو يريد أن يسبغ على تلك الحروب غلالة دينية ويظهرها بمظهر من حمت بلاد المسلمين وصانتها!... ثم من أشاعت العدل ومزقت الجور!...
ولا ندري العلاقة بين حماية بلاد المسلمين وبين هذه الحروب، والمتقاتلون جميعا مسلمون. ولو كان في مقاتلة إبراهيم باشا حماية لبلاد المسلمين وكفالة لدين الله، لما ألبت انكلترا العالم الغربي على محمد علي وولده إبراهيم!...
أما العدل وأما الجور فلا نظن أن قد اختلف وقعهما على الشعب في كلا الموقفين...
ولكن الشاعر يريد أن يبرر حركة حمد ويعطي حروبه صفة ترفعها إلى المواقف الملتزمة، وبالتالي يريد أن يبرر إشادته هو نفسه بتلك الحروب!.
ثم يسترسل الشاعر في الحديث عن القتال والمقاتل الأول حمد في أبيات عديدة:
وكم لك في يوم الحروب مواقف * ثبت لها والجو بالنقع حائل ويمعن في المبالغات:
فلولاك ما ثارت جياد إلى الوغى * ولولاك لم تعقد لسيف حمائل وهو الشاعر الوحيد في شعراء حمد الذي ذكر في شعره إبراهيم باشا باسمه صريحا:
رمى الله إبراهيم منك وجيشه * بغائلة فاغتالهم منك غائل ثبت لهم والحرب فاغرة اللهى * فما حلتهم فيها وأنت المماحل فلا زلت للهيجاء يا بن زعيمها * زعيما تحييك القنا والقنابل وبعد أبيات طويلة تصف في مبالغات ساحات الوغى والقتال والثواكل والنادبات والرياح السافيات والعقبان والذئاب، بعد ذلك يشير إلى وقعة يسميها يوم الجسر:
وكم لك من أمثالها يا بن قطبها * كفاك بيوم الجسر ما أنت فاعل فمزقتهم بالبيض كل ممزق * وألبستهم ثوب الردى وهو شامل الشيخ خلف بن الشيخ عبد على بن الشيخ حسين من آل عصفور.
قال في تاريخ البحرين المخطوط:
شيخ المشايخ الأجلة ورئيس المذهب والملة، الواضح الطريق والسنن، والموضح الفروض والسنن، المتفنن في جميع الفنون، والمفتخر به الآباء والبنون وهو مجاز عن أبيه عن جده الشيخ حسين العلامة، وأنه مجاز عن عمه الشيخ حسن المتقدم ذكره، وله طريق إلى علماء الرياضة، فاخذ علم الرياضة عن الشيخ عبد الله بن مبارك، وعلى الجملة كان إماما في الجمعة والجماعة في بلدتنا بوشهر، فخرج من البحرين لأمر قد ذكرناه أول الكتاب، وكان معاصرا للشيخ محمد حسن صاحب الجواهر وله تصانيف كثيرة: منها الكتاب المسمى بواضحة البرهان في رد من عمل بظواهر القرآن، ومنها كتاب اليواقيت وعليه تقريض من العلامة النجفي، فقال: فهو كتاب لم يعمل مثله في فنه، يشتمل على تحقيقات رائعة وأبحاث فائقة، ومنها رسالة الكتاهورية، ومنها رسالة في الميراث ورسالة في علم الحروف ورسالة الصلاتية ورسالة في بيان حديث اللهم أرني الأشياء كما هي ورسالة في التقية، واختياراته في الفقه وأجوبة الكازرونية وكتاب إكمال الأسبوع، وكتاب في أعمال اليوم والليلة، وكتاب الخطب وكتاب القصائد في الرثاء وكتاب شرح السداد، ورسالة في أن الفرقة الناجية هي الفرقة الاثني عشرية، وكتاب الجوهرة السنية في تعقيبات الصلاة اليومية، وكتاب مزيل الشبهات عن المانعين من تقليد الأموات وأجوبة البرازجانية، ورسالة في العدالة ورسالة في أن يد التي أحد الممتلكات الشرعية وبيان المراد منها شرعا وعرفا، ومنها كتاب التحفة الغالية في بيان الحقوق المالية، ومنها كتاب نصاب الكامل في تعداد النوافل، وله رسالة صغيرة في الرضاع وأجوبة المسائل الدهلكية، ورسالة في الرد على مذهب البابية وهذه الرسالة كتبها بأمر عمه العلامة الشيخ حسن المتقدم ذكره وهي رسالة لطيفة،