الذين فروا من إسبانيا. كما ساعدهم المرتزقة الايطاليون على استعمال المدفعية بمهارة.
ويقول ص 85 عن السلطان سليم: لم يمنح الأرمن الجورجيين وضعا مستقلا إلا في مقابل مساعدتهم للعثمانيين ضد المماليك.
نقول: في هذا الوقت كان سلطان المماليك قانصوه الغوري ينجد السلطان مظفر شاه سلطان كجرات الهند الذي استعان به على البرتغاليين، كما كان ينجد عامر بن عبد الله ملك اليمن على البرتغاليين أنفسهم.
ويقول ص 80 عن السلطان سليم: وقد أدت هذه الأعمال الحربية في شرق الأناضول إلى سيطرة السلطان سليم على الممرات الاستراتيجية المفضية من الأناضول إلى القوقاز وسوريا وإيران. كما حصلت الخزانة العثمانية نتيجة لسيطرة سليم على طرق التجارة الدولية التي كان ينقل عبرها حرير إيران وغيره من منتوجات الشرق من تبريز إلى حلب وبروسة على مصادر هامة من الدخل، مما مكنه من عرقلة تجارة الحرير الفارسية مع الغرب انتهى.
ثم أن صاحب كتاب تاريخ العرب الحديث ينسى ان العثمانيين وهم في شدة قوتهم وقفوا وقفة المتفرج امام نكبة المسلمين في الأندلس واستئصال الاسلام فيها.
مواقف إيرانية وما دمنا في هذا الموضوع فإننا لنعطي القارئ نماذج عن المواقف الإيرانية المشرفة التي تغلبت فيها حمية الإيرانيين الاسلامية على مصلحتهم الخاصة والتي آثروا فيها نصرة المسلمين وخذلان أعداء الاسلام ولو تعارض ذلك مع منافعهم. فقد جاء في كتاب داود باشا والي بغداد الصفحة 62 ما يلي:...
وكان عبد الله باشا وسعيد باشا أضعف من أن يقفا موقفا حازما من إيران وكانت سياسة داود مناهضة منذ البداية لايران فتحالف داود مع محمود الباباني ضد سعيد على أساس تخلي محمود عن الإيرانيين. ومنذ ان تولى داود باشا الحكم لم يحضر في اية مناسبة يحتفل بها معتمد الشاه في بغداد. وكانت أسس حلفه مع محمود بابان مضيعة للنفوذ الإيراني في كردستان وقد منحه داود كوى وحرير مكافاة له على تخليه عن إيران (1) وكانت إيران قد تلقت منذ وقت وجيز صفعة معاهدة گلستان المهينة حتى أصبحت كتابعة لسانبطرسبرج (2) وهذا العامل الجديد الذي ظهر في المشكلة العراقية الإيرانية وأعني به مؤامرات عملاء روسيا في إيران لإثارتها ضد الدولة العثمانية.
ففي سنة 1817 م لم يكن هناك امل للإيرانيين في أن يستردوا شيئا من ممتلكاتهم المفقودة بمساعدة حلفائهم القدماء الإنكليز. بينما ارسل القيصر الجنرال يارمولوق الحاكم الجبار والقائد العام للقوقاز على رأس بعثة دبلوماسية مهيبة إلى طهران، وبدل ان يتنازل الجنرال عن شبر من الممتلكات التي استولت عليها الروسيا من إيران قدم اقتراحا بعقد حلف براني روسي ضد الدولة العثمانية. وطالب في هذا الحلف بان تمنح القوات الروسية ممرا عبر الأراضي الإيرانية في استراباد وخراسان لتصل هذه القوات إلى خيوة، كما اقترح امداد الجيش الإيراني بالضباط وبالقيادة الروسية.
ولكن كل هذه المقترحات رفضت في هدوء وعادت البعثة الروسية إلى بطرسبرج محملة بالهدايا وان كانت ممتلئة غيظا من إيران. (3) : ابن جبير في جبل عامل رب كلمة من مؤرخ أرسلها إرسالا فكان منها للأجيال بعده نبع معرفة، ورب سانحة من كاتب ندبها قلمه فأغنت الباحثين أيما غناء.
وهذا ما كان من الرحالة العربي ابن جبير الذي لم تكن الرحلة لمجرد الرحلة غايته، بل كان متعبدا طالبا للثواب حين عزم على الترحل وجوب الأرض. انه كان يقصد الحج إلى مكة كغيره من مئات الألوف ومن الملايين الذين سبقوه أو تأخروا عنه، ولكنه كان ذا ذهن متفتح وفكر منطلق، فاتخذ من السفر إلى الحج وسيلة للكتابة وتصوير الوقائع، فدون رحلة جميلة كتبها بعقل العالم وعين الفنان وذهن المؤرخ وقلم الأديب، فكانت مصدرا من أهم مصادر تاريخنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ولقد مر ابن جبير في لبنان، أو الأحرى في جبل عامل من لبنان، فوصف بعض مشاهدة الطبيعية، كما تحدث عن بعض شؤونه العمرانية والاقتصادية، فكان ما كتبه كنزا من كنوز المعرفة.
والواقع أن ابن جبير بالرغم من عظيم ما خلف لنا، كان يمكن أن يخلف أكثر مما خلف لو أنه تنبه لخطر ما يدون، ولكنه كان يرى نفسه مسافرا بسيطا يحب أن لا تضيع مشاهداته فكان يكتب بعض ما يعن له كتابة الحصيف الكيس الدقيق الملاحظة، دون أن يسترسل في التفاصيل. فهو مثلا يتحدث عن رحيله عن بلدة تبنين قائلا: ورحلنا عن تبنين دمرها الله وطريقنا كله على ضياع متصلة وعمائر منتظمة سكانها كلهم مسلمون.
والدعاء على تبنين بالدمار لأنها كانت حين مر، حصننا من أمنع حصون الصليبيين. أما نحن اليوم فإننا نقول: زادها الله عمرانا. ولو قدر لابن جبير أن يعلم من أخرجت تبنين بعده من العلماء والكتاب والشعراء والزهاد والعباد، لردد معنا دعاءنا وتراجع عن دعائه.
لقد اكتفى بهذا القدر، ولم يحدد لنا أسماء تلك الضياع ولا حقيقة تلك العمائر، بل اقتصر على أن قال عن الأولى بأنها متصلة، وعن الثانية أنها منتظمة، ما يدلنا على انتشار العمران انتشارا واسعا يكاد يجعل القرى متصلا بعضها ببعض، وعلى أن بنيان تلك القرى لم يكن أكواخا، بل كان أشبه ما يكون بالدارات، لأن كلمة عمائر منتظمة تعني الشئ الكثير.
ونحن إذا لاحظنا الزمن الذي مر فيه ابن جبير في بلادنا ولاحظنا كذلك أحداث ذلك الزمن أدركنا حالا أن هذا الذي دونه هو أهم كل شئ فيما رآه.
وربما خيل لمن لم يقرأ من الرحلة الأمثل هذه الفقرات، أن هذا الذي يذكره ابن جبير شئ تافه لا يستحق التدوين، إذ لم يقترن بتفاصيل، ولكن الأمر على العكس لمن قرأ الرحلة كوحدة كاملة وهو يعرف زمنها وظروفها.
فالزمن الذي مر فيه ابن جبير بلبنان كان سنة 580 هجرية، وفي هذه السنة كان الصليبيون يحتلون البلاد. والذين دونوا تاريخ هذه الفترة أشاروا إلى حالة المدن ولم يشيروا إلى حالة القرى والأرياف، فنحن مثلا نعرف أن سكان صور نزحوا عنها ولم يبق فيها إلا العاجز والضعيف، ونعرف أن سكان صيدا وبيروت