ودعوتك (1) العصماء أس بنائه * ولولاك لم ترفع إليه المنابر قضيتها شبت بحجرك يافعا * وأنت لها حام وأنت مناصر ولما رأيت الخصم أوغل في الحمى * دوى صوتك العالي كأنك خادر ترقص أضلاع المنابر داعيا * وتبعثهم والعزم في القوم خائر ومت شهيد الحق تحت لوائه * وإن لم توزعك القنا والبواتر وكل فتى يجزى على قذر صنعه * ستشكرك الأجيال والدكر عاطر كما ابنه الشيخ علي بن الشيخ منصور المرهون في عام 1362 ه، في قصيدة بعنوان تدور عليك رحى الكائنات جاء فيها:
بكاك الهدي يا حسام الهدى * وكنت على حفظه تسهر وعج لفقدك دين النبي * وزمزم والبيت والمشعر عليك تدور رحى الكائنات * وأنت لها القطب والمحور فهذي المحاريب تبكي أسى * وهذي طروسك والمزبر وابنه أيضا الشيخ فرج العمران بقصيدة تحت عنوان دمعة الشرق جاء فيها:
أيها البدري والبدر الذي * مد تسامى الغرب (3) قد أبدى غروبا من بأفق العلم يبدو كوكبا * وظلام الجور قد عم الشعوبا من بأوج العلم يسمو شرفا * وحجاب الجهل قد غطى القلوبا وبنو التوحيد من يحفظهم * وأفاعي الشرك قد دبت دبيبا غبت يا بدر سما العلم وما * في ضمير العلم يوما أن تغيبا الحسن بن محمد الوزير المهلبي مرت ترجمته في الصفحة 221 من المجلد الخامس وننشر هنا دراسة عنه بقلم: جابر عبد الحميد الخاقاني:
الاسم والنسب هو أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون بن إبراهيم بن عبد الله بن زيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب القائد العربي بن أبي صفرة.
ويستمر هذا النسب حتى يصله بمازن بن الأزد العتكي، أو أزد دبا كما يسميهم ابن خلكان.
وقد انسابت شخصية المهلب بن أبي صفرة فيمن أنجب من أبناء ثم من أحفاد... وهكذا. ولذا أنت واجد غير واحد ممن تلقب بالمهلبي وانتسب إلى ابن أبي صفرة قد دخل التاريخ من أكثر من باب، وبين يديك كتب التاريخ شهيدة على ذلك.
ولادته:
في بصرة المهلب من سنة إحدى وتسعين ومائتين، ولد أبو محمد، حسب ما يذكر جل من أرخ له باستثناء ابن الجوزي إذ أنه يفهم من كلامه حين يقدر عمره بأنه عاش أربعا وستين سنة، وحينذاك، تكون ولادته سنة ثمان وثمانين ومائتين في رأي الجمهور * وسبع وثمانين ومائتين في رأي ابن الجوزي.
نشأته وتعلمه:
لا نملك ما يحدثنا عن تلك النشأة، كما أننا لم نستطع معرفة الأساتذة الذين تلمذ لهم، غير أن متناثر شعره، وأخباره، تكشف عن أنه كان ملما إلماما حسنا بمعارف عصره، وكان مزيدا إلى ذلك، يتقن الفارسية ويفصح بها. وقد أعانته كثيرا في الاطلاع على رسوم الفرس في الشؤون التنظيمية المتعددة.
حياة الحرمان:
في شعر المهلبي قطعة قوامها أربعة أبيات، أخذها الناس وحاكوا حولها ما وسعهم الخيال، والأبيات هي:
ألا موت يباع فأشتريه * فهذا العيش ما لا خير فيه ألا موت لذيذ الطعم يأتي * يخلصني من العيش الكريه إذا أبصرت قبرا من بعيد * وددت أو أنني مما يليه ألا زحم المهيمن نفس حر * تصدق بالوفاة على أخيه وذكروا في سبب نظمها أن المهلبي مر بالبصرة، واشتهى لحما ولما لم يقدر على دفع ثمنه، تمنى ما تمنى...
وقد صور الحرمان الذي عاشه، اعتمادا على هذا النص.
والحقيقة أن هذا التفسير غير مقبول، لأن المهلبي اشتغل عاملا للحكم العباسي سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، وهو قبل هذا التاريخ كان متصلا بالحكم من قريب أو بعيد.
والزمن المناسب لمثل تلك الحاجة هو قبل التاريخ المذكور، ففي شعره ما يؤكد أنه كان يستعين على تمشية أموره بالقرض من أعيان أهل البصرة.
ولكن الذي يجد من يقرضه في مدينة كل أهلها يحترمون به أسرته، ويقدرون له مكانته، لا يمكن أن نتصوره بالشكل الذي صوره لنا هذا المؤرخ.
لا سيما أنه كان في فترة إقامته بالبصرة، وقبل الاتصال بالحكم مقصد الطالبين. جاءه رجل مرة وهو في البصرة، وقد تعذر عليه أن يمد له يد العون، فكتب له رقعة فيها:
الجود طبعي، ولكن ليس لي مال * وكيف يصنع من بالقرض يحتال فهاك خطي فخذه منك تذكرة * إلى اتساع فلي في الغيب آمال إذن، الحرمان الذي عاشه، ليس هو كله الفقر، وإنما فقر بسبب تعطيل مواهبه، وكفاياته ونشدان آماله التي كان يدأب لتحقيقها.
حياة الترف وكما أفرط المؤرخون، فيما نسبوه إليه من حاجة بلغت به حد الشره، في أيامه الأولى، نسبوا له أيضا عكس ذلك في أيام مجده وسيطرته.
فقد قالوا: إنه حين بلغ من السلطان ما بلغ كان لا يأكل وحده. وهي عادة الرجال. ولا يتناول طعامه إلا بملاعق ذهبية، ثم حلا لهؤلاء المؤرخين