صلاح الدين مقلوبة مثل عملية البصر المعكوسة وغير المتصلة بعصب تصحيح البصر فالتوحيد عنده تقسيم والانتصار استسلام. إلى آخر ما قلت من مثل هذا الكلام الفارع. أن التهويل بمثل هذه الجمل ونقل الأمر من علم التاريخ إلى علم البصريات لا يستطيعان أن يطمسا الحقائق.
نعم، لقد قسم صلاح الدين الوطن بتوزيعه على الإخوة والأولاد وتحويله إلى دويلات متناحرة متقاتلة تستسلم في النهاية للأعداء وتسلمهم حتى القدس.
والانتصار عاد استسلاما بالخضوع لشروط الصليبيين وإعادة فلسطين إليهم.
هذا القول قاله كل مؤرخي ذاك الزمن، وكل ما عملناه نحن أن نقلنا أقوالهم بنصها، فان كان لك من كلام فلتوجهه إلى أولئك المؤرخين لا إلينا.
عليك أن تكذب ابن الأثير وابن شداد وأبا شامة وابن العديم وأضرابهم، ولا شغل لك معنا ولا كلام لك ولا لغيرك لدينا. ولكن من العيب أن يكون جزاؤهم على تسجيل الحقائق سبك لهم، وأننا لنعتذر لهم في قبورهم لأننا كنا سبب هذا السب، ومما سيدعوهم لقبول عذرنا أننا نالنا نصيب من هذا السب لأننا نقلنا حقائقهم للناس كافة، وفي سبيل حمل الحقيقة ونقلها يهون كل شئ.
أما حديثك عن دائرة المعارف فانا كنا نحب لك حفاظا عليك أن لا تذكره، أن دائرة المعارف ينطبق اسمها على مسماها تماما، وهي تصحح أغلاط المستشرقين مما لم يصححه المترجمون المصريون. وأما قولك: يا حبذا لو يبدأ السيد حسن الأمين بتصحيح أغلاطه المتعمدة وغير المتعمدة، فهو قول نترفع عن الرد عليه. هذا هو سلاحكم حين تواجهون بالحقائق: السباب والشتائم.
وكل ما نقوله لك في هذا الموضوع: إننا لا نلومك فان الزمن قد أضعف ذاكرتك فأنساك أنك كنت في أول المرحبين بدائرة المعارف هذه يوم صدور طبعتها الأولى، وأنك كنت تطلب المجموعة بعد المجموعة لتتاجر بها، وأنك لم تجد فيها أية أغلاط ولا كان لك أية ملاحظات، بل كنت تقابلها بالقبول والاستحسان والتشجيع وترى ضرورة وجودها.
لقد طال الزمن فأضعف ذاكرتك، فلم تعد تذكر شيئا من هذا، وكل ما بقي لديك: دوافع وخلفيات وغايات انطلقت منها هذا الانطلاق غير الموفق.
أما ما ختمت به مقالك من قولك: يخشى المرء في تحامل السيد حسن الأمين على صلاح الدين أن يكون الدافع إليه هو الغيظ من شئ ما، من حقيقة تاريخية لتلك الحقبة من الزمن المضئ ومؤداها أن شرف القدس أبى ألا أن تحرر على يدي صلاح الدين وأن القضاء نهائيا على الصليبيين أبى أن يتحقق إلا على أيدي خلفائه الصالحين. فنجيبك: أن شرف استرداد القدس قد محاه خزي عقد الصلح مع الصليبيين والتصرفات التي أدت إلى إعادتها للصليبيين. وأن خلفاء صلاح الدين لم يكونوا صالحين لأنهم سلموا للصليبيين ما لم يسلمه لهم صلاح الدين، وإذا كان صلاح الدين قد سلم فلسطين كلها للصليبيين، فان خلفاءه سلموا مع القدس ما كان قد بقي في أيديهم مما هو داخل اليوم فيما سمي بالجمهورية اللبنانية.
وأن القضاء نهائيا على الصليبيين لم يتحقق على أيدي خلفائه، بل تحقق على أيدي من جاءوا بعدهم، على يد الظاهر بيبرس ويد قلاوون وابنه خليل.
على أيدي هؤلاء تم القضاء نهائيا على الصليبيين، وهم الذين غسلوا العار الذي جلل العرب والمسلمين بعقد الصلح مع الصليبيين والاعتراف بسلطتهم وتسليمهم فلسطين وإعادة القدس إليهم على يد الأيوبيين ابتداء من صلاح الدين وانتهاء بخلفائه الذين جاءوا بعده.
الخراسانية والمتشيعة.
صدر للدكتور حسن منيمنة كتاب الدولة البويهية فعلق عليه الدكتور وضاح شرارة في جريدة النهار، فقرأت التعليق، ولم يصل إلي الكتاب فتناولت التعليق بالكلمة التالية:
يقول الدكتور منيمنة فيما يقول: فغلب المأمون على الحكم والخلافة عن طريق الخراسانية الذين امتدت أيديهم إلى الأعمال والدواوين والولايات والجند فحوروها وأخذوها وتوارثوها.
من هم الخراسانية الذين تردد ذكرهم كثيرا في الثورة العباسية وظل يتردد حتى وصل إلى الدكتور حسن منيمنة؟
وطبيعي أن الدكتور منيمنة إنما يقصد بهم ما قصده غيره أنهم الفرس.
وبهذا التفسير لهم وصفت الثورة العباسية بأنها ثورة الفرس على الحكم العربي، حتى أن كاتبا مصريا لم يتورع عن القول بان معركة الزاب الحاسمة كانت ردا على معركة القادسية الحاسمة، وذلك لمجرد كون قسم من الجيش الذي حسم الأمر على ضفة نهر الزاب لمصلحة العباسيين كان قادما من خراسان.
ونحن نقول أن القوى التي زحفت من خراسان كانت قوى عربية بقيادة عربية على رأسها قحطبة بن شبيب الطائي (1) يعاونه القادة العرب: أبو عون عبد الملك بن يزيد الأزدي ومقاتل بن حكيم العكي، وخازم بن خزيمة، والمنذر بن عبد الرحمان، وعثمان بن نهيك، وجهور بن مراد العجلي، وعبد الله بن عثمان الطائي وسلمة بن محمد وأبو غانم عبد الحميد بن ربعي، وأبو حميد، وأبو الجهم، وعامر بن إسماعيل. وألحق بهم واحد فقط من أصل فارسي هو خالد بن برمك.
ولما مات قحطبة قبل الوصول إلى الزاب عين مكانه في القيادة العامة ابنه الحسن بن قحطبة.
هذا في الجيش الزاحف من خراسان، أما في القوى التي أرسلت إلى انجاده من الكوفة فكانت على دفعات يقودها في دفعاتها المتتابعة: عيينة بن موسى، والمنهال بن فتان، وإسحاق بن طلحة، وسلمة بن محمد، وعبد الله الطائي ثم أصبح القائد العام للقوى سواء منها القادم من خراسان أم المتجه من الكوفة، عبد الله بن علي العباسي.
فما شان الثار من معركة القادسية بين جيشين عربيين يقود أحدهما قائد قرشي هو مروان بن محمد ويقود الثاني قائد قرشي آخر هو عبد الله بن علي؟
وبذلك نرد على من يتساءل: هل المقصود بكلمة الخراسانية الواردة في كتب الأقدمين هو الفرس؟ نرد عليه: كلا.
أن المقصود بها هو القبائل العربية المقيمة بخراسان، وحين يقال في كتب الأقدمين: أهل خراسان، فإنما يراد بهم أصحاب خراسان من العرب، ودليلنا على ذلك: خطب الولاة والأمراء وأقوال المؤرخين: فمن خطب الولاة خطبة نصر بن سيار التي يقول فيها: يا أهل خراسان أنكم غمطتم الجماعة وركنتم إلى الفرقة، السلطان المجهول تريدون وتنظرون؟ أن فيه لهلاككم معشر العرب.
وعند ما استخلف يزيد بن المهلب ابنه مخلد على جرجان أوصاه بسكانها العرب من اليمن وربيعة وقيس.
وصاحب كتاب الإمامة والسياسة يقول في إحدى المناسبات متحدثا عن