مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٤٠
ولقد رثى نفسه قبل أن يموت بأسبوعين بقصيدة في نحو ستين بيتا سماها الأشباح ولما كان لا يستطيع أن يمسك القلم بيده فقد كان ينظم الأبيات ويحفظها ثم يتلوها على من يحضر ليكتبها عنه. وهذه أبيات منها:
أبوارق الآمال والآلام * لوحي لعلك تكسفين ظلامي فلقد بدا شبح الهموم على الدجى * ملكا ركاما قام فوق ركام يوحي إلى نفس الكئيب كابة * خرساء تخلع مهجة الضرغام متوسطا شبحين ذاك لمحنة * الوطن الأسير وذا لفرط سقام فلعلتي شبح رهيب كالردى * ولموطني شبح جريح دام وقال مداعبا صديقا له اسمه نافع:
أجهدت نفسك لاعبا * لكن لعبك كان ضائع والضر طبعك دائما * كذب الذي سماك نافع وسعد زعيم من زعماء السياسة المحنكين دون أقل شبهة، ومقامه السياسي معروف لدى الجميع، وقد طغت السياسة عليه حتى لم يعد لمن يعرف سعدا عن كثب أن يتبين فيه شيئا غير السياسة، وهو رجل كان من القابلية واللياقة بحيث يستشف كثيرا من الحوادث ويتكهن بكثير من العواقب قبل حدوثها، وله آراء جد صائبة، ينفرد بها بين مئات السياسيين في هذا البلد، ويقدرها له الذين عالجوا المشاكل السياسية عند ما خبروا بواطنها، فقد أوتي حظا كبيرا من الذكاء والفطنة، وأن لإصابته الهدف وحسن قيامه بما يعهد به إلى نفسه في أشد الأوقات حراجة الأثر الكامل الملموس. ولعل ذكاءه كان أبرز خصلة من خصاله الغريزية.
وسعد حين يرسل الرأي السياسي يرسله مدعوما بالأدلة التي لا تقبل التشكيك فهو يعتمد المنطق في جميع تفكيره ومن طريق المنطق يسعى للظفر.
وكم رأيته وهو متحمس لرأي، ثم لا يلبث أن يعود لينقضه من أساسه حين يبدو له رأي آخر سواء كان هذا الرأي له أو لغيره ممن يسمع به ما دام يلمس فيه الحجة الصائبة، لذلك كان سعد أبعد ما يكون عن العناد في آرائه السياسية، وكانت سلبيته في القضايا الوطنية منطقية معقولة، ولعل لجرأة سعد أثرا كبيرا أيضا في شخصية لا تقل عن مواهبه وقابليته السياسية والأدبية.
وصادق سعدا كثير من الرجال على اختلاف نزعاتهم من حزبيين وغير حزبيين، وبالامكان القول أن كثيرا من أصدقائه قد صادقوه تحسسا بمنزلته وحبا بروحه وإعجابا برجاحة عقله وتعلقا بمبادئه القومية العربية.
وقلما زرته ولم أجد عددا منهم يخوضون وإياه مختلف الشؤون كأنهم في ناد لا يؤمونه إلا ليغذوا أنفسهم بما يطيب، وما ينبغي أن تتغذى به النفوس الحرة التي لا يقيدها أي قيد ولا يمنعها مانع من أن تقول ما تحس به.
لقد كان سعد بارزا في حياته، والذين برزوا وماتوا كثيرين ولكن أمثال سعد كانوا أقل من القليل فهو نسيج وحده من حيث مواهبه الخاصة ومن حيث وطنيته وتوفر ملكات الزعامة السياسية في نفسه، تلك المواهب التي استدرت دموع أصدقائه وغير أصدقائه على حد سواء حزنا عليه وشعورا بالخسارة الفادحة، فكانت فاجعة البلاد به عامة وراح ولم يكسب من دنياه غير هذا الشعور وهو كل ثروة الذين يعيشون للناس، وتوفي قبل أوانه في الوقت الذي أوشكت الزعامة الوطنية والسياسية أن تنحصر فيه.
ومما يذكر في سيرة سعد صالح أنه عند ما كان متصرفا في لواء المنتفك هدد الفيضان المنطقة بكارثة ماحقة وقد عمل هو بحكم منصبه على الحؤول دون وقوع هذه الكارثة، واستطاع بما اتخذه من تدابير وما بذله من جهود أن ينجح في ذلك ونجت المنطقة من الكارثة الفيضانية المدمرة. فرأى فريق من أبناء بلدة سوق الشيوخ أن يقدموا له هدية رمزية هي عبارة عن قنطرة فضية ضمن إطار فيه صورته وتحت الصورة هذه الأبيات من نظم الشيخ محمد حسن حيدر أحد أفاضل سوق الشيوخ:
عليك لواء الحمد شكرا يرفرف * لأنك في دنيا العلى متصرف بحزمك كافحت الحوادث وانجلى * عن الشعب ليل بالكوارث مسدف وقفت أمام الخطب سدا ممنعا * وذا موقف أنى يحاكيه موقف فلله أيام عليك عصيبة * تهدد آمالا لنا وتخوف طغى الماء فيها والسدود ضعيفة * وهمة أرباب المزارع أضعف فقاومته حتى تثنى عناته * وكافحته حتى انتهى وهو أعجف فيا سعد ما زالت خطاك سديدة * وما زالت الآمال باسمك تهتف بك الزرع لاقي من يرق لحاله * ولم ير قبلا من يرق ويعطف إلى سوق الشيوخ مكرما * جهادك في رمز عن الحب يكسف يفدمه ذكرى لموقفك الذي * سيبقى مدى الأجيال وهو مشرف سعيد حيدر.
ولد في بعلبك وتلقى دراسته الثانوية في دمشق، وتخرج من معهد الحقوق في استنبول، وكان خلال دراسته فيها من بين الشبان العرب الذين أدركوا نوايا الأتراك الطورانيين في سيطرة العنصر التركي سيطرة كاملة على الدولة العثمانية والسعي في تتريك العرب بكل وسيلة، وقد باشروا ذلك فعلا، وأخذوا يمهدون لتطبيق خططهم تمهيدا عمليا. لذلك انضم المترجم إلى أخوانه الشبان العرب العاملين على مقاومة الطورانيين وانقاذ البلاد العربية من شرهم، فكان عنصرا فعالا في التكتلات العربية الثورية المتألبة في استنبول.
ولما أنهى دراسته وعاد إلى بلاده عين في سلك القضاء، ثم لم تلبث الحرب العالمية الأولى أن أعلنت، ثم حلت الهزيمة بالدولة العثمانية، واحتل الفرنسيون الساحل السوري اللبناني، والإنكليز فلسطين، وبقي بيد العرب القسم الداخلي من سورية، وهو ما اصطلح على تسميته بالمدن الأربع:
دمشق وحلب وحمص وحماه وما يتبعها.
ثم تجلت نوايا الفرنسيين في السيطرة على هذا القطاع الذي بقي وحده مستقلا استقلالا تاما، وكان أن تكتل الاستقلاليون العرب في دمشق يخططون لدفع شر الفرنسيين عن بلاد الشام، فكان سعيد حيدر في الطليعة من هؤلاء عاملا نشيطا.
ثم كان ما كان من احتلال الفرنسيين لدمشق بعد معركة ميسلون وقضائهم على الاستقلال العربي الناشئ، فكان سعيد حيدر ممن اضطروا للنزوح عن البلاد مع من نزح من القادة الذين كان الفرنسيون قد حكموا عليهم بأحكام غيابية قاسية بينها الاعدام وهو ما حكم به المترجم.
وبعد أن استقر الفرنسيون في سورية بدأوا بتقليص هذه الأحكام وإسقاطها تدريجيا عن المحكومين وأخذ هؤلاء يعودون واحدا بعد واحد،
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370