فيها، في الكليات والمعاهد والمدارس في جميع الأقطار العربية، وعامتها ذوات مصطلحات جديدة بالنسبة إلى مسمياتها، وكان المعلمون والمدرسون والأساتذة يترجمون تلك المصطلحات كل على حدة وبتفرد واستقلال، وكان قليل منهم يرى صعوبة الترجمة لاستلزامها اتقان اللغة العربية والعلم بمفرداتها، وهو ما لا يطيقونه فكانوا يعربون المصطلحات العلمية والمصطلحات الفنية، والمصطلحات الأدبية أيضا، ويتهمون العربية بالعجز والتقصير، والتخلف في المسير، فحدثت من كل ذلك بلبلة في المصطلحات والآراء وفي مستقبل اللغة العربية، ونشأت فكرة أن اللغة العربية عاجزة عن القيام بما يستوجبه العصر العلمي الحديث من الآراء والأسماء وكثر في اللغة العربية السقط والغلط لما ذكرنا آنفا من أن المتقنين للغات الأعجمية للشعوب المتمدنة لم يلزموا أنفسهم اتقان اللغة العربية تهاونا بها واستهانة باهلها مع أنها كانت ولا تزال كذلك مرآة الحضارة وسناد الأمة العربية، وعماد القومية، وحفاظ التراث العلمي القديم والآداب العربية على تباين موضوعاتها، وضروبها وأنواعها، وظهرت في الصحف والمجلات وكتب القصص والروايات لغة عربية جديدة، فيها مجاز مقتبس جديد، واستعارة مقتبسة جديدة، وألوان من التعابير، كان فيها الغث والسمين، والخطأ والصحيح، والجميل والقبيح، فضلا عن المصطلحات التي اتحدت معانيها ومقاصدها واختلفت ألفاظها والدلالات عليها في اللغة العربية.
وحملت الغيرة على الأمة العربية ولغتها آحادا من العلماء والأدباء الفوقة على نقد المصطلحات الركيكة والمعربة واقتراح الاستبدال بها مع ذكر البدل، وعلى نقد التعابير الفاسدة، والكلمات المستعملة في غير مواضعها، والاشتقاقات المباينة لطبيعة اللغة العربية ونشرت في ذلك مقالات في الصحف والمجلات وألفت رسائل وكتب، ونشأ جدال بين العلماء والأدباء أنفسهم في الموضوع بعينه، ورأى أولو الأمر في الدول العربية أن إنشاء مجامع للغة العربية قد أصبح ضرورة وحاجة ماسة لا بد منها، ولا ندحة عن قضائها، فأنشئ المجمع العلمي العربي بدمشق، ثم أنشئ المجمع العلمي العراقي، ونشر كل مجمع لنفسه مجلة تعالج مشكلات اللغة، وتقترح مصطلحات جديدة، وتقوم ما فسد من التعابير، وتدعو إلى أن اللغة العربية مليئة (1) بما يراد منها في أداء المعاني الحديثة على اختلافها، وكثرتها، وتسمية ما تحتويه الحضارة الجديدة والاختراعات والابتداعات من ألوف أسماء، في مختلف العلوم والفنون والآداب، وقد ألفت ونشرت كتب في ذلك ورسائل مشهورة متداولة، وكانت أقطار من البلاد العربية متخلفة كثيرا عن هذه النهضة اللغوية لشدة وطأة الاستعباد المسمى خداعا بالاستعمار (2) الذي هو شبيه بالاستثمار في أصل اللغة، ومن تلك الأقطار المغرب، وما كادت تشم رائحة الاستقلال السياسي حتى أخذت تنشئ مراكز للتعريب وتريد بها جعل المصطلحات الأعجمية عربية الألفاظ، وعقدت مؤتمرات له، ونشرت معجمات للمصطلحات منها معجم الكيمياء ومعجم الفيزياء ومعجم الرياضيات والأصول العربية والأجنبية للعامية المغربية، وقد نشرت فيما نشرته بالطبع المستدرك في التعريب وهو معجم فرنسي عربي، للكلمة المستعملة في مختلف الأمور والشؤون، وقد كتبت عليه مصلحة التعريب التابعة للمكتب المغربي للمراقبة والتصدير بالدار البيضاء.
وأطرف ما ألف في معالجة اللغة العربية العصرية كتاب فرنسي اللغة جامع شامل، ألفه الأستاذ فنسنت مونتي الفرنسي ونشره سنة 1960 وسماه العربية الحديثة وقد رجع في تأليفه إلى مائة (3) وثلاثة وستين مرجعا عربيا ومائة وواحد وستين مرجعا أعجمي اللغة فجاء الكتاب في ثلاث مائة وست وثمانين صفحة من القطع الوسط، فهو أوسع كتاب في هذا الباب منذ ظهور مشكلة اللغة العربية العصرية حتى اليوم، وقد تكلم فيه على الكلمات المولدة والانبعاث اللغوي والقومية العربية وصعوبة الكتابة العربية بحروفها المعلومة والطباعة والتجديد والتيسير، والأصوات العربية وأحرف العلة والاعراب والنطق والمستعار والأغلاط والأوهام والنصوص اللغوية وتأثير اللهجات والأدب الشعبي والسبيل الأقوم، والثقافة العربية المزدوجة والنقل والترجمة والتعليم والتدريس للعرب وباللغة العربية والاشتقاق ومجاله، وتخصيص الهيكل اللغوي في العبارة والصفات الناشئة عن النسبة والتأنيث والازدواج والجمع والنحت والأصول والحدود والدواخل والكواسع والتعريب أي نقل الكلمات الأعجمية إلى أوزان عربية في الغالب والدلالات والمعاني والاصلاح اللغوي والرمزية والايماء، والكواسع اللاتينية اللطينية للمصطلحات وخاصة الكيميائية، والوضع والتسجيل والمجامع العلمية والمجامع اللغوية العربية والمؤسسات الثقافية والصحافة، والمؤتمرات العلمية العربية، والمعجمات، واضطراب الدلالات، وإحصاء الحدود واعتبار التحديد، والترادف، والتعدد المعنوي وأسماء الألوان وتأليف الكلام وتركيبه، والتصريح والتلميح والتعريض والجواز والحدس والتساهل والاتساع والنفي والحصر والزمان والصورة والمظهر، إلى غير ذلك مما يطول تعداده وخصوصا الأساليب ومنها أسلوب الخطابة وأسلوب المحاضرات وأسلوب الصحافة وأسلوب النشر وأسلوب القضاء، وأسلوب الاقتصاد وأسلوب الجدل وأسلوب التأديب والتهذيب وأسلوب النقد الأدبي والأسلوب العلمي والأسلوب الفلسفي وأسلوب الاقتصاص وأسلوب الخطاب والأسلوب الفني والأسلوب الحكائي والأسلوب الشعري.
ولعلي أن أهتبل فرصة لاقتباس شئ من الكتاب ونشره مع التعليل أو التعقيب، فان هذا الموضوع المهم الخاص بمستقبل العربية لا يعالج بمقالة واحدة، ومن الله تعالى التوفيق.
الشيخ معتوق بن الشيخ عمران الأحسائي.
قال الشيخ جعفر الهلالي:
ولد في مدينة الأحساء سنة 1315 وتوفي فيها سنة 1378 كان أحد علماء