مفصلا، وقد أوجز في الكلام على الطرق الأخرى، واكتفى أحيانا بالأسماء.
كما نستطيع أن نقول: إنه عاش في القرنين الثالث والرابع 9 و 10 م لأنه روى عن رجال من أهل ذينك القرنين. وربما صح أن نقول أيضا: إنه كوفي، لأنه اهتم بالكوفة وخصها بكثير من العناية والكلام في قصيدته التي وصف بها الطريق، وكانت آخر مراحل سفره، وهو بغدادي المنزل ظ لأنه روى عن علماء كانوا جميعا ببغداد.
ولا أدري كيف دلت كلمتي التي تلي هذه الأسطر بعض الأفاضل على افتراض المؤلف ابن الكوفي، وترجيح نسبة المخطوط إليه فقد نسب ذلك إلي مثلا بلدينا الأخ الشيخ الجليل محمد حسن آل ياسين أطال الله بقاءه وأدام تأييده.
لقد قلت في ص 20 ع 3 من مجلة كلية الآداب:... وظننتها أي النسخة الخطية منازل مكة ولكن نسبتها إلى ابن الكوفي أمر ما أزال أتظناه. فالرجل كثير الاستنساخ، والنقل من منتسخاته شئ معروف.
ومهما يكن من شئ، فان مصنف منازل مكة هذا؟ رجل كوفي، قريب من عهد ابن الكوفي ان لا يكنه فأكثر الرواة الذين روى عنهم من طبقة مشايخه، وممن يوافق زمانهم عصره.
وأنا أشكر لمجلة الأقلام استطلاع رأيي، ولا أنسى الثناء على الشيخ الفاضل الذي رأى أن ينعم علي فيذكرني استطرادا في مقالة النفيس، وهو عجاب من أهل العصر فقد تعودت أن يغمطني حقي كثير ممن نقل عني، واستفاد من آثاري. وإليه حفظه الله يعود فضل دلالتي على مقالة الدكتور صالح أحمد العلي في مجلة المجمع العلمي العراقي التي هدته إلي إضافة الكتاب إلى أبي عبد الله محمد بن أحمد الأسدي وهو أمر أوسعته بحثا وتتبعا في مقالتي أثر جغرافي طبغرافي قديم في صفة بلاد العرب لمؤلف عراقي قبل عشرة قرون، في العدد القابل من مجلة كلية الآداب إن شاء الله.
محمد بن أحمد بن جعفر الكناني المصري المعروف بابن الحداد.
ولد سنة 264.
ترجم الله الذهبي في سير أعلام النبلاء ووصفه بالشافعي وقال:
سمع أبا الزنباع روح بن الفرج، وأبا يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي، ومحمد بن عقيل الفريابي، ومحمد بن جعفر بن الإمام، وأبا عبد الرحمن النسائي، وأبا يعقوب المنجنيقي، وخلقا سواهم.
ولازم النسائي كثيرا، وتخرج به، وعول عليه، واكتفى به، وقال:
جعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى، وكان في العلم بحرا لا تكدره الدلاء، وله لسن وبلاغة وبصر بالحديث ورجاله، وعربية متقنة، وباع مديد في الفقه لا يجاري فيه مع التاله والعبادة والنوافل، وبعد الصيت، والعظمة في النفوس.
ذكره ابن زولاق وكان من أصحابه فقال: كان تقيا متعبدا، يحسن علوما كثيرة: علم القرآن وعلم الحديث، والرجال، والكنى، واختلاف العلماء والنحو واللغة والشعر، وأيام الناس، ويختم القرآن في كل يوم، ويصوم يوما ويفطر يوما. كان من محاسن مصر. إلى أن قال: وكان طويل اللسان، حسن الثياب والمركوب، غير مطعون عليه في لفظ ولا فعل، وكان حاذقا بالقضاء. صنف كتاب أدب القاضي (1) في أربعين جزءا، وكتاب الفرائض في نحو من مائة جزء.
نقلت في تاريخ الاسلام: أن مولد ابن الحداد يوم موت المزني، وأنه جالس أبا إسحاق المروزي لما قدم عليهم، وناظره. وكتابه في الفروع مختصر دقق مسائله، شرحه القفال، والقاضي أبو الطيب، وأبو علي السنجي، وهو صاحب وجه في المذهب.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت الدارقطني، سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد النسوي المعدل بمصر، يقول: سمعت أبا بكر بن الحداد، يقول: أخذت نفسي بما رواه الربيع عن الشافعي، أنه كان يختم في رمضان ستين ختمة، سوى ما يقرأ في الصلاة، فأكثر ما قدرت عليه تسعا وخمسين ختمة، وأتيت في غير رمضان بثلاثين ختمة.
قال الدارقطني: كان ابن الحداد كثير الحديث، لم يحدث عن غير النسائي، وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله.
وقال ابن يونس: كان ابن الحداد يحسن النحو والفرائض، ويدخل على السلاطين، وكان حافظا للفقه على مذهب الشافعي وكان كثير الصلاة متعبدا، ولي القضاء بمصر نيابة لابن هروان الرملي.
وقال المسبحي: كان فقيها عالما كثير الصلاة والصيام، يصوم يوما، ويفطر يوما، ويختم القرآن في كل يوم وليلة قائما مصليا.
قال: ومات وصلي عليه يوم الأربعاء، ودفن بسفح المقطم عند قبر والدته، وحضر جنازته الملك أبو القاسم بن الاخشيذ، وأبو المسك كافور، والأعيان، وكان نسيج وحده في حفظ القرآن واللغة، والتوسع في علم الفقه. وكانت له حلقة من سنين كثيرة يغشاها المسلمون. وكان جدا كله رحمه الله. فما خلف بمصر بعده مثله.
قال: وكان عالما أيضا بالحديث والأسماء والرجال والتاريخ.
وقال ابن زولاق في قضاة مصر: في سنة أربع وعشرين سلم الإخشيذ قضاء مصر إلى ابن الحداد، وكان أيضا ينظر في المظالم، ويوقع فيها، فنظر في الحكم خلافة عن الحسين بن محمد بن أبي زرعة الدمشقي، وكان يجلس في الجامع، وفي داره، وكان فقيها متعبدا، يحسن علوما كثيرة، منها علم القرآن، وقول الشافعي، وعلم الحديث، والأسماء والكنى والنحو واللغة، واختلاف العلماء، وأيام الناس، وسير الجاهلية، والنسب والشعر، ويحفظ شعرا كثيرا، ويجيد الشعر، ويختم في كل يوم وليلة، ويصوم يوما ويفطر يوما، ويختم يوم الجمعة ختمة أخرى في ركعتين في الجامع قبل صلاة الجمعة، حسن الثياب رفيعها، حسن المركوب، فصيحا غير مطعون عليه في لفظ ولا فصل ثقة في اليد والفرج واللسان، مجموعا على صيانته وطهارته حاذقا بعلم القضاء. أخذ ذلك عن أبي عبيد القاضي.
وأخذ علم الحديث عن النسائي، والفقه عن محمد بن عقيل الفريابي،