أهل عصره وله عدة تصانيف منها كتاب الورقة في أخبار الشعراء وكتاب الوزراء وغير ذلك، ثم ظهر لمؤنس الخادم المذكور، وخافه أبو الحسن علي بن الفرات المذكور، فأشار على مؤنس بقتله، فقتل وأخرج وطرح في سقاية عند المأمونية، فحمل إلى منزله، وكان قتله في شهر ربيع الآخر من السنة، ومولده في سنة ثلاث وأربعين ومائتين في الليلة التي توفي فيها إبراهيم بن العباس الصولي المقدم ذكره.
ولما عاد أمر المقتدر إلى ما كان عليه، وقد قتل وزيره العباس بن الحسن في التاريخ الذي ذكره الطبري، استوزر أبا الحسن علي بن الفرات المذكور، فأول ما ظهر للناس من محاسنه أنه حمل إليه من دار ابن المعتز صندوقان عظيمان، فقال: أعلمتم ما فيهما؟ قيل: نعم، جرائد بأسماء من بايعه، فقال: لا تفتحوهما، ودعا بنار فطرح الصندوقين فيها، فلما احترقا قال: لو فتحتهما وقرأت ما فيهما فسدت نيات الناس بأجمعهم علينا، واستشعروا منا، ومع ما فعلناه قد هدأت القلوب وسكنت النفوس.
ومما يتعلق بهذه الترجمة أن القاهر بالله لما خلع وسملت عيناه كما ذكرناه آل به الحال إلى أن خرج إلى جامع المنصور ببغداد، فعرف الناس بنفسه، وسألهم التصدق عليه، فقام إليه ابن أبي موسى الهاشمي فأعطاه ألف درهم، وفي ذلك عبرة لأولي الألباب.
ونقلت من كتاب الأعيان والأماثل تأليف الرئيس أبي الحسن هلال بن المحسن بن أبي إسحاق إبراهيم الصابي: وحدث القاضي أبو الحسين عبيد الله بن عباس أن رجلا اتصلت عطلته، وانقطعت مادته، فزور كتابا من أبي الحسن بن الفرات إلى أبي زنبور المارداني عامل مصر في معناه يتضمن الوصاة به والتأكيد في الاقبال عليه والاحسان إليه، وخرج إلى مصر، فلقيه به، فارتاب أبو زنبور في أمره لتغير الخطاب على ما جرت به العادة وكون الدعاء أكثر مما يقتضيه محله، فراعاه مراعاة قريبة، ووصله بصلة قليلة، واحتبسه عنده على وعد وعده به، وكتب إلى أبي الحسن بن الفرات يذكر الكتاب الوارد عليه، وأنفذه بعينه إليه، واستثبته فيه، فوقف ابن الفرات على الكتاب المزور، فوجد فيه ذكر الرجل، وأنه من ذوي الحرمات والحقوق الواجبة عليه، وما يقال في ذلك مما قد استوفى الخطاب فيه، وعرضه على كتابه، وعرفهم الصورة فيه، وعجب إليهم منها، ومما أقدم عليه الرجل، وقال لهم: ما الرأي في أمر هذا الرجل عندكم؟ فقال بعضهم: تأديبه أو حبسه، وقال آخر: قطع إبهامه لئلا يعاود مثل هذا ولئلا يقتدي به غيره فيما هو أكثر من هذا، وقال أجملهم محضرا: يكشف لأبي زنبور قصته ويرسم له طرده وحرمانه، فقال ابن الفرات: ما أبعدكم من الحرية والخيرية وأنفر طباعكم عنها! رجل توسل بنا، وتحمل المشقة إلى مصر في تأميل الصلاح بجاهنا، واستمداد صنع الله عز وجل بالانتساب إلينا، ويكون أحسن أحواله عند أحسنكم محضرا تكذيب ظنه وتخييب سعيه، والله لا كان هذا أبدا، ثم إنه أخذ القلم من دواته ووقع على الكتاب المزور هذا كتابي، ولست أعلم لم أنكرت أمره، واعترضتك شبهة فيه، وليس كل من خدمنا وأوجب حقا علينا تعرفه، وهذا رجل خدمني في أيام نكبتي، وما أعتقده في قضاء حقه أكثر مما كلفتك في أمره من القيام به، فأحسن تفقده، ووفر رفده، وصرفه فيما يعود عليه نفعه، ويصل إلينا فيما تحقق ظنه وتبين موقعه ورده إلى أبي زنبور من يومه، فلما مضت على ذلك مدة طويلة دخل على أبي الحسن بن الفرات رجل ذو هيئة مقبولة وبزة جميلة، وأقبل يدعو له، ويثني عليه، ويبكي، ويقبل الأرض، فقال له ابن الفرات: من أنت بارك الله فيك؟! وكانت هذه كلمته، فقال: صاحب الكتاب المزور إلى أبي زنبور الذي صححه كرم الوزير وتفضله، فعل الله به وصنع، فضحك ابن الفرات وقال: كم وصل إليك منه؟ قال: وصل إلي من ماله وتقسط قسطه على عماله ومعامليه وعمل صرفني فيه عشرون ألف دينار، فقال ابن الفرات: الحمد الله، ألزمنا، فانا نعرضك لما يزداد به صلاح حالك، ثم اختبره فوجده كاتبا شديدا، فاستخدمه وأكسبه مالا جزيلا، رحمه الله تعالى ورضي عنه!.
أبو الحسن علي بن محمد التهامي ذكره في تكملة أمل الآمل باعتباره شيعيا وأضاف إلى اسمه لقب العاملي الشامي. ثم قال: ذكره في أمل الآمل وذكره في كتاب نسمة السحر فيمن تشيع وشعر.
ونحن لا ندري هل إن إضافة العاملي من صاحب التكملة أم من صاحب الأمل. وسواء أكانت من الأول أم الثاني فلا شك أنها خطا، فليس الرجل عامليا. كما أننا لا ندري على ماذا استند صاحب الأمل في نسبته إلى التشيع وكذلك لا ندري على ماذا استند صاحب نسمة السحر في هذه النسبة إليه.
ويبدو أن صاحب التكملة استند في ذلك إلى ما ورد في الأمل ونسمة السحر،.
أما صاحب وفيات الأعيان فلم يشر إلى ذلك، مع أنه قد يذكر تشيع من اشتهر بالتشيع.
والمترجم هو صاحب القصيدة الرائية في رثاء ولده التي مطلعها:
حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار و يقول ابن خلكان: إنه وصل إلى الديار المصرية مستخفيا ومعه كتب كثيرة من حسان بن مفرج، وهو متوجه إلى بني قرة، فظفروا به، فقال: أنا من تميم، فلما انكشف حاله عرف أنه التهامي الشاعر، فاعتقل في خزانة البنود، وهو سجن بالقاهرة وذلك لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربعمائة، ثم قتل سرا في سجنه في تاسع جمادي الأولى من السنة المذكورة انتهى.
وحسان بن مفرج الطائي هو صاحب الرملة في فلسطين الذي تحالف مع صالح بن مرداس وسنان بن عليان على اقتسام الشام والجزيرة فيما بينهم، والانفصال عن الدولة الفاطمية، على أن تكون حلب إلى عانة لصالح بن مرداس، والرملة إلى مصر لحسان بن مفرج الطائي، ودمشق وأعمالها إلى سنان بن عليان.
ولم يسكت الخليفة الفاطمي الظاهر على ذلك فأرسل جيشا لقمع الحركة الانفصالية، فأسرع صالح بن مرداس لانجاد حسان بن مفرج فالتقيا بالجيش الفاطمي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 420 في الأقحوانة