الأبيات التي ذكرها هو في مقدمة كتابه العوالي والتي مدح بها تلميذه السيد محسن الرضوي، ونكتفي هنا بنقل هذه الأبيات كأنموذج لشاعريته:
يا فريدا في الفضل غير مشارك * عز باريك في الورى وتبارك يا هلال الأنام قد كتب الأيام (1) * في دفتر العلى آثارك ولسان الزمان يدرس في كل * مكان على الورى أخبارك سيدي أنت من يشق غبارك * بأبي أنت من يروم فخارك ما نرى في مناسب لك إلا * دائب صار دأبه تذكارك شوقته إليك أوصافك الغر * فجاب البلاد حتى زارك يا كريما خفت عليه المعالي * فأدرعها فاشدد بها آزارك واسحب الفخر وامض في الخير قدما * واقض في طاعة الندى أوطارك شبه ومؤاخذات رغم عظمة المصنف وسمو مكانته فقد دارت حوله بعض الشبه ووجه إليه القدح والانتقاد فاتهم بالتصوف المفرط وقالوا إنه أخباري ونسب إليه الغلو، وشاع عنه أنه غير متثبت في نقل الأخبار ومتساهل في روايتها، وزاد في الروضات حيث قال: بل الكلام في توثيق نفس الرجل يعني ابن أبي جمهور والتعويل على رواياته ومؤلفاته (2).
ولسنا الآن بحاجة إلى البحث عن مدى صحة هذه التهم أو بطلانها بعد ما ردها وأجاب عنها بالتفصيل الشيخ النوري في مستدرك الوسائل والسيد المرعشي النجفي في مقدمة الجزء الأول من عوالي اللآلي.
ونظرة واحدة فيما قاله جملة من خيرة علمائنا في مدح هذا العالم الجليل وتعظيمه وقد مر نقلها تكفي ردا لهذه الشبه وجوابا عنها... والذي نقوله هنا أن مثل هذه التهم وجهت إلى كثير من كبار علمائنا كالشيخ الصدوق والملا صدرا الشيرازي وتلميذه الفيض الكاشاني والسيد حيدر الآملي وغيرهم من علمائنا الأعلام الذين لا يشك أحد في نزاهتهم وعلو شانهم ومع ذلك رموهم بالالحاد والتصوف والغلو وغير ذلك مما هم منه براء.
السيد محمد بن عبد الحسين بن إبراهيم بن أبي شبابة الحسيني البحراني.
قال في سلافة العصر على عادته في الاسجاع والمبالغات: علم العلم ومنارة ومقبس الفضل ومستنارة فرع دوحة الشرف الناصر المقر بسمو قدره كل مناضل ومناظر أضاءت أنوار مجده مآثر ومناقب إلى أن قال: وكان قد دخل الديار الهندية فاجتمع بالوالد ومدحه بمدائح نقضت عزل الحارث بن خالد فعرف له حقه وقابله من الإكرام بما استوجبه واستحفه وذكره عند مولانا السلطان بما قدمه لديه وملأ من المواهب الجليلة يديه ولما قضى آماله من مطالبها ارتحل إلى الديار العجمية وقطن بها فلقي بها تحية وسلاما وتنقل في المراتب حتى ولي شيخ الاسلام وهو اليوم نازل بأصبهان ورافع من قدر الأدب. ومن نثره ما كتبه إلي من ديار العجم سنة سبعين وألف ولم نر ضرورة لنقل الرسالة: ثم قال:
ومن شعره قوله مادحا الوالد وهي من فرائد القصائد:
أرى علما ما زال يخفق بالنصر * به فوق أوج المجد تعلو يد الفخر مضى العمر لا دنيا بلغت بها المنى * ولا عمل أرجو به الفوز في الحشر ولا كسب علم في القيامة نافع * ولا ظفرت كفي بمغن من الوفر فأصبحت بعد الدرس في الهند تاجرا * وأن لم أفز منها بفائدة التجر طويت دواوين الفضائل والتقى * وصرت إلى طي الأماني والنشر وبعت نفيس العمر والدين صفقة * فيا ليت شعري ما الذي بهما أشري إذا جنني الليل البهيم تفجرت * علي عيون الهم فيها إلى الفجر إلى أن قال:
مضت في حروب الدهر غاية قوتي * فأصبحت ذا ضعف عن الكر والفر إلى أن قال:
إذا لم تكن في الهند أصناف نعمة * ففي هجر أحظى بنصف من التمر على أن لي فيها حماة عهدتهم * بناة المعالي بالمثقفة السمر إذا ما أصاب الدهر أكنان عزهم * رأيت لهم غارات تغلب في بكر ولي والد فيها إذا ما رأيته * رأيت بها الخنساء تبكي على صخر ولكنني أنسيت في الهند ذكرهم * باحسان من يسلي عن الوالد البر إذا ذعرتني في الزمان صروفه * وجدت لديه الأمن من ذلك الذعر وفي بيته في كل يوم وليلة * أرى العيد مقرونا إلى ليلة القدر ولا يدرك المطري نهاية مدحه * ولو أنه قد مد من عمر النسر وفي كل مضمار أرى كل غاية * من الشرف الأوفى له سائق يجري إذا ما بدت في أول الصبح نعمة * ترى فرجا قد جاء في آخر العصر إلى أن قال:
وأني لأرجو من جميلك عزمة * تبلغني الأوطان في آخر العمر إلى أن قال:
وما زلت مشتاقا إليهم وعاجزا * كما أشتاق الجناح إلى الوكر ولكنما حسبي وجودك سالما * ولو أنني أصبحت في بلد قفر فمن كان موصولا بحبل ولائكم * فليس بمحتاج إلى صلة البر الشيخ محمد الشهير بالملائكة البرغاني ابن الشيخ محمد تقي الشهير بالفرشتة ابن الشيخ محمد جعفر بن الشيخ محمد كاظم.
أخذ الفقه والأصول عن والده الشيخ محمد تقي الطالقاني القزويني والسيد نصر الله الحائري الشهيد في إسطنبول سنة 1158 وتخرج في الحكمة والكلام على الشيخ إسماعيل المعروف بالخواجوئي المتوفى سنة 1173، وغيرهم، وكان يلقب بالملائكة لشدة ورعه وقداسة نفسه وتقواه تولى التدريس في كربلاء، ثم هاجر إلى قزوين فرأس فيها، وهو الذي ناظر الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق المتوفى سنة 1184 بقزوين بمحضر علماء الفريقين فأفحمه وأدى هذا النقاش إلى عدول صاحب الحدائق عن رأيه وأصبح من العلماء الأخباريين المعتدلين بعد ما كان من الأخباريين المتطرفين وانتهت هذه المناظرة إلى بلبلة عظيمة في قزوين وأخذ يتوسع مداها ويتصاعد حتى عمت سواد الناس من الطائفتين وانتهت إلى هجوم الفرقة الأخبارية على دار المترجم له لاغتياله فلم يظفروا به وأحرقوا داره ومكتبته النفيسة ثم تدخل رجال الحكومة وحكموا بتسفير المترجم له عن مدينة