فقلت لعبد الرحمن بن عبيد أو قيل له: لقد اجترأت حين تذكره ذلك اليوم وتخبره أنك كنت فيمن لقيه، فقال: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
قال: وحدثني ابن أخي (1) محمد بن مخنف، عن أبيه عن عمه قال الضحاك لعبد الرحمن بن مخنف حين قدم الكوفة: لقد رأيت منكم بغربي تدمر رجلا ما كنت أرى في الناس مثله رجلا، حمل علينا فما كذب حتى ضرب الكتيبة التي أنا فيها، فلما ذهب ليولي حملت عليه فطعنته في قمته فوقع ثم قام فلم يضره شيئا فذهب، ثم لم يلبث أن حمل علينا في الكتيبة التي أنا فيها فصرع رجلا ثم ذهب لينصرف فحملت عليه فضربته على رأسه بالسيف فخيل إلي أن سيفي قد ثبت في عظم رأسه قال: فضربني، فوالله ما صنع سيفه شيئا ثم ذهب!. فظننت أنه لن يعود، فوالله ما راعني إلا وقد عصب رأسه بعمامة ثم أقبل نحونا، فقلت: ثكلتك أمك أما نهتك الأوليان عن الاقدام علينا؟
قال: وما تنهياني وأنا أحتسب هذا في سبيل الله؟! ثم حمل علينا فطعنني وطعنته فحمل أصحابه علينا فانفصلنا وحال الليل بيننا. فقال له عبد الرحمن بن مخنف: هذا يوم شهده هذا يعني ربيعة بن ناجد (2) وهو فارس الحي وما أظن هذا الرجل يخفى عليه فقال له: أتعرفه؟ قال: نعم، قال:
من هو؟ قال: أنا! قال: فأرني الضربة التي برأسك. قال: فأراه فإذا هي ضربة قد برت العظم منكرة. فقال له: ما رأيك اليوم فينا؟ أهو كرأيك يومئذ؟ قال: رأي اليوم رأي الجماعة، قال: فما عليكم اليوم من باس، أنتم آمنون ما لم تظهروا خلافا، ولكن العجب كيف نجوت من زياد؟ لم يقتلك فيمن قتل؟ أو لم يسيرك فيمن سير؟ قال: أما التسيير فقد سيرني وأما القتل فقد عافانا الله منه. والأرجح اتحاده مع الذي مر.
عبد الرحمن بن الحسين النعماني القاضي.
هو أبو منصور عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الله النعماني النيلي المعروف بشريح، قدم بغداد واستوطنها وشهد بها عند قاضي القضاة أبي الحسن محمد بن جعفر الهاشمي العباسي في يوم الأربعاء تاسع ذي القعدة من سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وزكاه العدلان أبو الحسن علي بن المبارك بن جابر وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن المأمون، وكان يتولى قضاء بلده النعمانية أيضا والتحق بأمير الحاج طاشتكين المستنجدي الشيعي وخدمه متوليا لأشغاله، وهو الذي قرأ عهد قاضي القضاة ضياء الدين أبي الفضائل القاسم بن يحيى الشهرزوري سنة 595 بجامع القصر المعروف اليوم بعضه بجامع سوق الغزل، وكان فاضلا، متميزا، مترسلا، وله رسائل قال الحافظ محمد بن سعيد بن يحيى الواسطي أنشدني أبو منصور المعروف بشريح للصاحب إسماعيل بن عباد في الاعتزال:
قلت يوما وذاك مما دهاني * ما احتيالي في ما مضى ما احتيالي؟
فجفاني وقال: ما وصل من قال * بخلق الأفعال من أفعالي كان لي في هواك رأي فلما * قلت في الجبر في هواي بدالي وقال أنشدني مذاكرة من حفظه: كم قلت للخاطر أنجدني بنادرة * فقال يومك مني نصره خرق ما دمت أجني ولا أسقي فلا ثمر * يبقى لجاني في عودي ولا ورق توفي القاضي عبد الرحمن هذا ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول من سنة 603 ودفن في داره بالقبيبات بالقرب من محلة قراح أبي الشحم بشرقي بغداد.
ديك الجن عبد السلام بن رغبان.
مرت ترجمته في الصفحة 12 من المجلد الثامن، ونضيف إليها هنا ما يلي:
ديوانه صدر ديوانه سنة 1386 1966 م وقد حققه وأعد تكملته كل من أحمد مطلوب وعبد الله الجبوري، وكان قد سبق أن صدر له ديوان من قبل، جمعه وشرحه كل من عبد المعين الملوحي ويحيى الدين الدرويش الذين جمعاه من بطون الكتب لعدم العثور على ديوان له.
والديوان الذي جمعه مطلوب والجبوري حاولا فيه تكملة الديوان الأول وزادا عليه ما يتعلق بشعر الشاعر في آل البيت ع، وهي ثماني قصائد في 156 بيتا، وقصائد أخرى عثرا عليها في المجموعة التي جمعها الشيخ محمد السماوي وأضافا إليها ما لم يذكره. كما جاءا بقصائد وأبيات لم تذكر في ديوانيه المطبوع والمخطوط. وعن ديوانه كتب هلال ناجي ما يلي:
نشر الأستاذان عبد المعين الملوحي ومحيي الدين الدرويش، مجموعة من شعر ديك الجن الحمصي في حمص بسوريا سنة 1960 وقد ضم المجموع في دفتيه 417 بيتا جمعاها من شتيت المظان.
وقد استطاع الأديبان العراقيان الدكتور أحمد مطلوب وعبد الله الجبوري أن يعيدا نشر المجموع بعد أن أضافا إليه إضافات مهمة أبرزها زيادة 22 قصيدة وقطعة تقع في 224 بيتا، أضافاها إلى مطبوعة الملوحي والدرويش.
وعملهما العلمي هذا جدير بكل تقدير، ويمثل في رأينا إضافة قيمة للتراث العربي المنشور.
وقد أحببنا أن ندلي بدلونا بين الدلاء فنستدرك على الجبوري ومطلوب بعض ما فاتهما من شعر ديك الجن آملين أن ينتفع بها المحققان الفاضلان في طبعة قابلة. وأجمل هذه المستدركات في الآتي:
1 قال ديك الجن:
لا مت قبلك بل أحيا وأنت معا * ولا بقيت إلى يوم تموتينا لكن نعيش كما نهوى ونأمله * ويرغم الله فينا أنف وأشينا حتى إذا ما انقضت أيام مدتنا * وحان من يومنا ما كان يعدونا متنا كلانا كغصني بانة ذبلا * من بعد ما استورقا واستنضرا حينا انظر الحماسة البصرية 1 265.
وقال ديك الجن:
ليس يخشى جيش الحوادث من جنداه * وفدا صبابة ودموع