حممه وشواظه في قصائد متأججة نشر بعضها في الصحف الناطقة بلسان القوى الوطنية ولم يكتب بعضها الآخر أن يأخذ طريقة إلى النشر. وهذه القصيدة يغني نصها عن التعريف بها وعما اشتملت عليه من مميزات وخصائص الشاعر الوطني المطبوع: الذي عانى التجربة شعورا وعملا، وأداها أحسن ما يكون الأداء في شعر صادق التعبير والدلالة والايجاء، هو شعر سعد صالح:
فؤاد كله كمد * وعين كلها سهد وآلام مبرحة * وعيش ما به رغد وآمال مضيعة * وعمر كله نكد ودمع هاتن وحشا * يكاد لظاه تتقد جوى يبكي الجماد دما * فكيف تطيقه كبد وأشجان يكابدها * غريب الدار مبتعد فتى تقتاده الأسفار * حتى ملة القتد إذا ما شاقه بلد * دعاه إلى الشقا بلد تحير أين حل الرحل * حل الطالع النكد فليس يفيده جزع * وليس يفيده جلد فكم من مهمه قذف * يضل بعرضه الرشد تروح به مطيته * تخب وتارة تخد يفتش هل يرى أحدا * وليس لعينه أحد فلا عين ولا أثر * ولا عير ولا وتد ولا شاء ولا نعم * ولا طنب ولا عمد وكيف العيش تقربه * وعنه الوحش يبتعد فلا كلاء به ترعى * ولا ماء به ترد فدافد لا أنيس بها * يشيب لهولها الولد يهاب الوحش وحشتها * ويجزع عندها الجلد ونعم الأرض تلك لو * انه اثرا بها يجد ويرعى الوحش فيها * وهو مفترق ومتحد فيبغم في الكناس رشا * ويزأر في الشري أسد وليل طال حتى خلت * ليس لطوله أمد وقد وقفت كواكبه * وملء عيونها رمد وحار دليل أنجمه * فضل العلم والرصد كان الليل تيار * وشهب نجومه زبد كان سحابه سفن * تعوم وأهلها رقدوا بواخر في بواطنها * لظى للبرق تتقد إذا عصفت بها ريح * تروح وشملها بدد وان زفرت بصوت الرعد * خلت الأفق يرتعد فخضت عباب لجته * وقلبي خانه الجلد على زيافة من سيرها * تجد الذي أجد قتاد الأرض يؤلمها * ويؤلم جسمي القتد كلانا في السرى دنف * يغالب سقمه الجسد تخاطبني إلى كم أنت * في الظلماء منفرد أنقضي العمر بالسير * الحثيث وليس تتئد ترى لا تنتهي الاسفار * حتى ينتهي الأبد غدا يا سعد قلت وهل * لليل البائسين غد أراحلتي وفي كبدي * تعيث من الهموم يد ولي أمل غدا ألما * له في أضلعي وقد دعي فندى فحسب * الصب من عذاله الفند سأقضي في الفلا عمري * فليس يروقني بلد سئمت العيش في وطن * يضام، يذل، يضطهد محته يد القضاء فراح * لا روح ولا جسد عفت تلك الربوع فلا * قديمات ولا جدد رياض صوحت ومها * ذعرن ومجمع بدد مرابض في الحمى لم يبق * من آسادها أسد ربوع غير سرح الوحش * لا يأوي لها أحد دموع تستفيض على * دماء ما لها قود خطوب لو دهت أحدا * لساخ بعبئها أحد (*) صلاح الدين وخلفاؤه.
يقول الباحث المصري الدكتور حسين مؤنس عن تمزيق الوطن العربي على يدي صلاح الدين وتوزيعه على أقربائه ما يلي:
قسم الإمبراطورية ممالك بين أولاده وإخوته وأبناء أخويه، كأنها ضيعة يملكها لا وطنا عربيا اسلاميا ضخما يملكه مواطنوه ويقول أيضا عن خلفاء صلاح الدين:
عملوا أثناء تنافسهم بعضهم مع بعض على منح بقايا الصليبيين في أنطاكية وطرابلس وعكا امتيازات جديدة، فتنازل لهم السلطان العادل عن يافا والناصرة، وكانت بقية من أهل مملكة بيت المقدس الزائلة قد أقامت في عكا واستمسكت بلقب ملوك بيت المقدس فاعترف لهم به هذا العادل في ثلاث معاهدات.
وحاول الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب ان يتحالف مع الصليبيين على عمه العادل.
وعند ما نزلت الحملة الصليبية الخامسة شاطئ دمياط يقودها الفارس الفرنسي جان دي بريين واستولى على دمياط سنة 1218 استنجد العادل بأقاربه ملوك الشام والجزيرة فلم يسعفه أحد منهم، ولو لم ينهض المتطوعون من نواحي الدلتا ويتصدوا للصليبيين ويكسروا سدود النيل لما أمكن الانتصار على المغيرين على المنصورة.
وعند ما أقبل الإمبراطور فردريك الثاني يقود الحملة الصليبية السادسة ونزل عكا سنة 1227 أسرع الملك الكامل سلطان مصر وتنازل له عن بيت المقدس ويافا وجزء من أرض فلسطين يمتد من الساحل إلى البلد المقدس، ووقع معاهدة بذلك في 18 شباط 1229.
وفي سنة 1244 تقدم أيوبي آخر هو الصالح إسماعيل صاحب دمشق فجعل للصليبيين الملكية الكاملة لبيت المقدس وسلم لهم قبة الصخرة.