أبدي التجلد للعدو ولو درى * بتململي لقد اشتفى أعدائي ما كنت أذخر في فداك رغيبة * لو كان يرجع ميت بفداء فارقت فيك تماسكي وتجملي * ونسيت فيك تعززي وإبائي وصنعت ما ثلم الوقار صنيعة * مما عراني من جوى البرحاء كم زفرة ضعفت فصارت أنة * تممتها بتنفس الصعداء لهفان أنزو في حبائل كبة * ملكت علي جلادتي وغنائي وجرى الزمان على عوائد كيده * في قلب آمالي وعكس رجائي قد كنت آمل أن أكون لك الفدا * مما ألم فكنت أنت فدائي لو كان مثلك كل أم برة * غني البنون بها عن الآباء كيف السلو وكل موقع لحظة * أثر لفضلك خالد بإزائي فعلات معروف تقر نواظري * فتكون أجلب جالب لبكائي ويختتم القصيدة:
صلى عليك وما فقدت صلاته * قبل الردى وجزاك أي جزاء لو كان يبلغك الصفيح رسائلي * أو كن يسمعك التراب ندائي لسمعت طول تأوهي وتفجعي * وعلمت حسن رعايتي ووفائي كان ارتكاضي في حشاك مسببا * ركض الغليل عليك في أحشائي وفي جميع قلبيات الشريف الرضي، تدور العين، فيستشعر الشريف الرضي الجمال فيراه بميزان العين ثم يختمه بختم القلب، فما كان يدري الحب إلا بعد أن تعرضت العين إلى العين فقال:
وما كنت أدري الحب حتى تعرضت * عيون ظباء بالمدينة عين فوالله ما أدري الغداة رميننا * عن النبع أم عن أعين وجفون بكل حشى منا رمية نابل * قوي على الأحشاء غير أمين فررت بطرفي من سهام لحاظها * وهل تتلقى أسهم بعيون وقالوا أنتجع رعي الهوى من بلاده * فهذا معاذ من جوى وحنين جلون الحداق النجل وهي سقامنا * ووارين أجيادا وسود قرون ولولا العيون النجل ما قادنا الهوى * لكل لبان واضح وجبين يلجلجن قضبان البشام عشية * على ثغب من ريقهن معين ترى بردا يعدي إلى القلب برده * فينقع من قبل المذاق بحين تماسكت لما خالط اللب لحظها * وقد جن منه القلب أي جنون وما كان إلا وقفة ثم لم تدع * دواعي الهوى منهن غير ظنوني نصصت المطايا أبتغي رشد مذهبي * فأقلعن عني والغواية دوني وقوله في واحدة من لواحق الحجازيات، ذاكرا فعل اللحظ:
يا رفيقي قفا نضويكما * بين أعلام النقا والمنحنى وانشدا قلبي فقد ضيعته * باختياري بين جمع ومنى عارضا السرب فان كان فتى * بالعيون النجل يقضي فانا إن من شاط على ألحاظها * ضعف من شاط على طول القنا وقوله:
يا صاحبي تروحا بمطيتي * إن الظباء بذي الأراك سلبنني سيرا فقد وقف الطعين لما به * مستسلما ونجا الذي لم يطعن ما سرني وقنا اللحاظ تنوشني * أني هناك قتيل غير الأعين وقد كان عشق الشريف الرضي معايشة رضية بين الحب والزهد... ورث الزهد وراثة روحية، كما ورثه وراثة ثقافية. وفي تاريخ الشعر العربي، كان الشعراء الزهاد موجودين منذ القرون الهجرية الأولى، وهم أسبق من الشعراء العذريين، ومنهم عبد الرحمن بن أبي عمار الشهير بالتعس، وعروة بن أذينة، ويحيى بن مالك وغيرهم.
بعبارة أخرى إن الشعر العربي نقل خطا بيانيا لأفكار الزهد من خلال الشعراء الأتقياء، ثم تطورت المؤثرات الزهدية في الشعر فأخذت تعبير العشق القلبي الذي عرف به الشعراء العذريون، فكان الشريف الرضي امتدادا أصيلا للزاهدين ومستوعبا استيعابا عميقا لحكمة الموت التي نبع منها كل زهد إسلامي أو غير إسلامي.
وقد قال:
قد آن أن يسمعك الصوت * أنائم قلبك أم ميت يا باني البيت على غرة * أمامك المنزل والبيت أيجزع المرء لما فاته * وكل ما يدركه فوت وإنما الدنيا على طولها * ثنية مطلعها الموت ولكن زهدية الشريف الرضي ليست تنسكا ورهبانية، بل هي معرفة بالموت من خلال الحياة، فكانت روحه المشدودة بين قطبي الحياة والموت، تنبض بالحياة، بأعلى أصواتها الحرة، وتستجيب لحكمة الموت، بصورة مبادئ أخلاقية صارمة، والقلب هو القادر على تلبية نداءات الحياة الحرة، والتعري أمام الموت بقانون الحرية.
فالقلب هو ال أنا بكل علنيتها واستبطاناتها. وهو بالنتيجة يصطفي الروحي والحسي اصطفاء شفافا فيؤلفهما خير مؤالفة.
والقلب، قلب الشريف الرضي، كالميزان العادل الذي يتحسس بأوزان الجمال، فهو يلتهب التهابا شديدا، ويضيق، عند ما يدرك أنه لا يتحمل الحبس الطويل في داخل صدره، والمحبوب خارج أسوار الصدر يتلألأ، ولكن كنجم قطبي ما أبعده، وإن ذلك التناقض الذي كان يتجرعه القلب، يظل دائما عنوان تجربة الزهد والعشق، فالقلب في بسط وقبض، في عطاء وأخذ، في امتلاء وفروع، في جذب وطرد، إنه مشدود بين العلوي والأرضي، وبين الروحي والحسي انشدادا لا تفلت منه.
إن هجرات الروح ليس لها مستودع غير القلب، الذي يضيف عند الامتلاء بالحب والحسرة فيتسع اللسان بالعبارة.
وتلك المناوبة، والمبادلة التي لجا إليها للتعبير عن أشواقهم ومكابدتهم، وجدت عند الشريف الرضي واحدا من أمثلتها المهمة، وهو القائل عن صدق شعره:
وليس من الفراغ يثرن عني * نفاثات يجيش بها الجنان ولكن مهجة ملئت ففاضت * وضاق القلب واتسع اللسان أن القلب يضيق حيث يمتلئ، ويمتلئ حيث يضيق، واللسان أداة القلب الناطقة. وفي واقع المحبين والجماليين، يأخذ القلب دلالات مكثفة ويصبح