مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٦٩
إن انطواء شخصية الشريف الرضي على قوة الطبع، وعلى السماحة، أضفى عليها تفردا متميزا، ومن خلال ذلك كان التفرد العقلي والأدبي والسياسي ينمو نموا طبيعيا من تربة النفس الغنية بالانفعال الصادق. ففي ميزة قوة الطبع ترعرعت قوة الإرادة، والمطلبية السياسية، والقدرة الكفاحية وفن قيادة الناس سواء في نقابة الطالبيين، أو في مواسم الحج، أو في النظر في المظالم.
وفي ميزة السماحة، نمت النزعة الديمقراطية، وروح التعايش المذهبي وأخذت ذهنية الشاعر المتفتحة مداها الوافر في المعرفة، والحوار، والابداع، والإنتاج الأدبي والعلمي، إضافة إلى الشعر.
ومن وحدة المصدرين اللذين شكلا أساس النفس وتربتها، تكونت للقريحة الشعرية بصمات قوية لا تخص أحدا غير الشريف الرضي. كما أن العشق الذي كان رحلة طويلة في حياة الشاعر الرضي، استقى من ذينك المصدرين العلامات المميزة في تجربته الخاصة فجانب السماحة، وهو الجانب العاطفي، والإنساني كان يستقبل الهوى بسرعة، فيما كان جانب قوة الطبع يجعله متشبثا بالعلاقة العاطفية بقوة، وهكذا كان، الأمر وسيظل دوما يبتدئ الحب بنظرة خاطفة، أو بلمسة يد غير مقصودة، أو بتبادل بضع كلمات في فرصة غير متوقعة ثم ينيخ بركابه على النفس إناخة المستقر الذي لا يريم.
وامتدت شجرة المعرفة في نفس الشريف الرضي بجذرين متوحدين كضفيرة واحدة قوة الطبع، والسماحة فكانت ثمار الشجرة منوعة في الشعر والأدب والعلم والسياسة، لأن نبوع الشاعر وجد في السمات المتفردة للشخصية امدادات قوية: عقلية وعاطفية.
أي أن اتحاد العقل والقلب في السفر الطويل للشريف الرضي كان قد أوجد الاغتراب الكبير في وسط بشري اتخذ ازدواجية العقل والقلب مصطلحا له، وإذا ما حصل أن توفر أنموذج بشري يعطي للقلب حقه، مثلما يعطي للعقل صلاحيته، فان ذاك الأنموذج في أحسن الأحوال يعطي للقلب بعض حقه، وللعقل بعض صلاحيته لكنما الشريف الرضي فتح بوابات الجسد أمام الشهقة التامة للقلب، وأمام طلقات العقل التي لم تنقطع.
لقد رفع الحجاب بين العقل والقلب، في داخل نفسه، فكانت لهما رياضة مشتركة، ورفع الحاجب خارج نفسه، أمام الناس، فكان للقلب والعقل مهرجان كبير لم يشترك فيه أحد سواه هو! أليس هو واحدا متكثرا بما حباه الله به من موهبة ونبوع ومؤهلات؟ ورغم تناقض السمات عند سواه، فإنها تضايقت فيه، فكانت فيه خيالية الشاعر، وواقعية السياسي، وموسوعية العقلاني وجدية العالم ورقة العاشق، وعناد المغامر.
وكان فيه طبع الرئاسة، ونزعة الجواب، وهكذا ولد في الشريف الرضي النموذج العالم إلى جانب أنموذج الشاعر، وكانت مؤلفاته العلمية في الأدب والنحو والفقه لا تقل شهرة عن شاعريته الرفيعة.
إن العلم وهو يتعامل مع الوقائع ومع التواريخ، ومع خلاصة الخبرات البشرية، يتطلب نقيض ما يتطلبه الشعر فحيث يعني الشعر الهجرة وراء الخيال والرؤيا، فان العلم يعني المكوث ندا لمختبر، وفي دارة البحث والمواصلة، والتسجيل، والجرد، وتثبيت الحقائق.
إن الحقيقة العلمية، وهي غير الحقيقة الشعرية تحتاج إلى مجهود بشري مكرس لها، في انقطاع العالم ومكوثه في ميدان العمل العلمي، فكيف استطاع الشاعر الحر الشريف الرضي أن يفي بمستلزمات الحقيقة العلمية، وهو بطبيعته الشاعرية، الغرامية، المتجولة؟
إن جواب ذلك وارد في فرادة طبعه وطبيعته، فكان العالم الوجه الثاني لشخصية الشريف الرضي الشاعر المجيد، فاستطاع أن يكون مبرزا في ميادين العلوم اللغوية والشرعية، وفي الدراسات الأدبية، فصدرت له مؤلفات ثمينة من بينها: المجازات النبوية وحقائق التأويل وأخبار قضاة بغداد وانتخاب الحسن من شعر الحسن وانتخاب شعر ابن الحجاج وتعليق خلاف الفقهاء وطيف الخيال والمتشابه في القرآن ومجاز القرآن وخصائص الأمة وانشراح الصدر في مختارات من الشعر وانشراح الصدور وسيرة الوالد الطاهر ومختصر أمثال الشريف الرضي وقدم المختارات من عبقرية علي بن أبي طالب ممثلة في الكتاب النادر: نهج البلاغة إضافة إلى العديد من المؤلفات والرسائل التي تفصح، أيما إفصاح، عن توقد الذهن، وغنى التجربة، واتساع الأفق عند الشريف الرضي.
وكان الجانب العلمي الدراسي من حياة الشريف الرضي مناسبا لمكانته الدينية، ومسؤوليته في امارة الحج، بعكسه الشعر الذي كان يثير حفيظة الخصوم، ويؤلم المريدين الذين راهنوا على السياسة فقط.
لكن الشخصية الفذة، شخصية الشريف الرضي، سارت مشتملة بكل جوانب الابداع في الشعر وفي علوم الأدب والفقه والشرع، مثلما سارت مشتملة برداء الرئاسة الذي اكتساه بفضل تاريخه العربي الأشم وإمكاناته النادرة، وعلو محتدة.
غير أن ما من ضرورة تجعل تفرد شخصية الشريف الرضي نوعا من التغرب المثير لولا الجانب المهم في حياته، فقد شاءت الدنيا، دنياه، ودنيا منطقته العربية ودائرته الاجتماعية، أن يكون أميرا في العشق، مثلما هو أمير في موسم الحج، وفي السياسة.
وكثيرة هي الفعاليات النظرية التي قد لا ترتبط بفعاليات عملية، لأنها مجرد أفكار وتصورات، وأخيلة، وقد يتخيل الإنسان ما شاء له الخيال، في الشعر، وفي السياسة لكن العشق هو واقع كالخيال، صلة بين عاشق ومعشوق ضمن مناخ اجتماعي، وطبيعي. فهي حسية رغم كل جوانبها اللاحسية، وهي مفضوحة، رغم كل السرية، وهي أبدية رغم الأنية.
ولم يوجد قط عاشق بدون معشوق. فكيف إذا كان العاشق واسع التجربة ما أسرع ما كان قلبه يتعرض للطرق؟!
هناك في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، في أجواء التعصب والفتن والصراعات الدامية، هناك في زمن المكايد والدسائس والشغب العنيف، كان شخص يتحلى بكل إمارات النبل والشرف والورع، وبكل مخايل النبوع في الشعر والأدب والعلم، شخص مشبع بالطموح، وهو سيد
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370