مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٧٣
الرمز المقدس في حبهم وفي علاقاتهم.
وربما استعار العديد من المتصوفة وشعراء الغزل من الشريف الرضي قلبياته التي ازدان بها شعره، فلطالما كان القلب ملهمه، ومرشده، ومنبع إحساسه. وقد شكا إلى الله ذلك القلب قلبه! الذي كان يناضل من أجل الوصال، فإذا ما وصل كان انقطاعا. لقد كان قلبه مشنوقا بين قطبي التوتر، وكانت نفسه تعرج بين الارتواء والعطش، بين البرد والهجير، بين الخميلة والرمضاء، فصرخت:
أشكو إلى الله قلبا لا قرار له * قامت قيامته والناس أحياء إن نال منكم وصالا زاده سقما * كان كل دواء عنده داء كان قلبي يوم البين طار به * من الرفاع نجيب الساق عداء إن سلطان القلب على الجسم والنفس يقوم عند ما تتحقق العبودية.
فحينما يكون القلب مملوكا للمحبوب، فإنه مستعبد له بفتح الباء لكنه مستعبد بكسر الباء لجسم صاحبه، فيفقد العقل سلطته، وتصبح وظيفة الحواس مبهمة خارج نطاق المحبوب.
ومسألة القلب، إنه معذب في الوصل وفي الهجر، إنه يحمل وجهي المرآة اللذين يرى فيهما الحاضر والغائب، الممكن والمستحيل، البهجة والخوف.
وسواء أكان الحبيب قريبا أو بعيدا فان الشوق يحجز قلب الشاعر كما ذكر:
أقول وقد أرسلت أول نظرة * ولم أر من أهوى قريبا إلى جنبي لئن كنت أخليت المكان الذي أرى * فهيهات أن يخلو مكانك من قلبي وكنت أظن الشوق للبعد وحده * ولم أدر أن الشوق للبعد والقرب خلا منك طرفي وامتلأ منك خاطري * كأنك من عيني نقلت إلى قلبي إن صلة العين بالقلب، أعقد من أن يدرك بعدها الحقيقي، وطوبى لمن كان له عين في قلبه كما أورد الشبلي.
فعين المحبوب تسكر قلب المحب، ويحار المحب بين سكرة قلبه وانكسار عينه أمام سطوة جمال المحبوب، فيصبح قابلا للعبودية، مكتشفا بذلك أسرار الحرية، فقال في بعض قلبياته:
هل ناشد لي بعقيق الحمى * غزيلا مر على الركب أفلت من قانصه غرة * وعاد بالقلب إلى السرب وأظمأ القلب إلى مالك * لا يحسن العدل على القلب يعجب من عجبي به في الهوى * واعجبي منه ومن عجبي أقرب بالود وينأى به * ويلي على بعدك من قرب منعم يعطف منه الصبا * لعب الصبا بالغصن الرطب بلادة النعمة في طبعه * وربما ناقش في الحب أما اتقى الله على ضعفه * معذب القلب بلا ذنب يا ماطلا لي بديون الهوى * من دل عينيك على قلبي ويختار القلب عبودية الحب، فيقلد المحبوب وسام الامارة، ويمنحه حق التصرف، واجدا في الطاعة سعادته الكبيرة. إن العبودية في حضرة المحبوب هي حرية المحب، أو طريقة لاكتشاف حريته التي معنى لها بحروفها ككلمة، بل هي معروفة بمضمونها، بمقدار ما يتهيأ للقلب من استبشار، ورضا، وسرور، فقال في بعض غزله:
رماني كالعدو يريد قتلي * فغالطني وقال أنا الحبيب وأنكرني فعرفني إليه * لظى الأنفاس والنظر المريب وقالوا أطععت وكيف أعصي * أميرا من رعيته القلوب ولأن الهموم الطائلة تناوشت نفس الشريف الرضي، فان قلبه أضحى مثل طير كريم أضناه العطش، يبحث عن عين ماء، ما أن يريد الارتواء منها حتى يغيض ماؤها، أو تجف، أو تطمرها الكثبان الهائجة.
ولم يحظ تساؤل بتلك النبرة الطولانية التاسعة مثل تساؤل الشريف الرضي عن هموم قلبه، وهو يتخاطب:
ما للهموم كأنها * نار على قلبي تشب ألأجل ما حمل القلب من الحب، أصبح وجيبه شعرا؟ وأصبحت ناره أكبر من نار الغضا حتى أضحت الاستعارة بين القلب والنار إشعارا بان الجسم كله! في حالة احتراق، وحكم بالأعدام ينفذ يوما بعد يوم، ترى أي قلب ذاك الذي كان يطلب الاقتداح به بدل الزناد:
يا قادحا بالزناد * مر فاقتدح بفؤادي نار الغضا دون نار القلوب * والأكباد وقال الشريف الرضي العديد من القصائد المشبعة بالاغتراب المكاني المرافق للاشتياق الباكي ومنها هذه القصيدة التي قالها في شهر ربيع الآخر سنة 392 ه:
أقول وقد حنت بذي الأثل ناقتي * قري لا ينل منك الحنين المرجع تحنين ألا أن بي لا بك الهوى * ولي لا لك اليوم الخليط المودع وباتت تشكى تحت رحلي ضمانة * كلانا إذا يا ناق نضو مفجع أحست بنار في ضلوعي فأصبحت * يخب بها حر الغرام ويوضع أروح بفتيان خماص من الجوى * لهم أنه في كل دار وأدمع إذا غرد الركب الخفي تأوهوا * لما وجدوا بعد النوى وتوجعوا على أبرق الحنان كان حنيننا * وبالجزع مبكى أن مررنا ومجزع تزافر صحبي يوم ذي الأثل زفرة * تذوب قلوب من لظاها وأدمع منازل لم تسلم عليهن مقلة * ولا جف بعد العين فيهن مدمع فدمع على بالي الديار مفرق * وقلب على أهل الديار موزع أرى الياس حتى تعزم النفس سلوة * ويرجع بي داعي الغرام فأطمع ذكرت الحمى ذكر الطريد محله * يذاد العاطشات ويرجع وأين الحمى لا الدار بالدار بعدهم * ولا مربع بعد الحنين مربع سلام على الأطلال لا عن جناية * وان كن يأسا حين لم يبق مطمع فيا قلب أن يفن العزاء فطالما * عهدتك بعد الطاعنين تصدع وقد كان من قلبي إلى الصبر جانب * فقلبي بعد اليوم للصبر اجمع نعم عادني عيد الغرام ونبهت * علي الجوى دار بميثاء بلقع وطارت بقلبي نفحة غضوية * ينفسها حال من الروض ممرع أصد حياء للرفاق وإنما * زمامي منقاد مع الشوق طيع نظرت الكثيب الأيمن اليوم نظرة * ترد إلي الطرف يدمي ويدمع في قصيدة غزل واحدة، تقدست روحه، تنتشر المفردات المأساوية التي تخبرك بعذابات المتعذب: الألم، الجوى، المصدوع، الوقوع، الظما،
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370