وقال: أنه لا حاجة للانكار، ولا موضع للغرابة، لأن الشريف كان شديد الذكاء، وإذا ذهبنا مع الدكتور إحسان عباس إلى أن المراد هو ابن أبي سعيد السيرافي، لا أبو سعيد نفسه، فهل يحل هذه القضية وينفي تعلمه النحو، وهو دون العاشرة؟! (1).
ولست أرى مجالا للخلاف في هذه القضية، فان ابن جني يذكر أن الرضي أحضر إلى مجلس ابن السيرافي، وواضح أن المراد هنا أبو سعيد، لا ولده، فهو الذي كان صاحب المجلس وأستاذا لابن جني، وكان ابن جني يتلقى عنه، فهو شاهد عيان، ولم تذكر الرواية أن الرضي قرأ عليه شيئا، وإنما لقنه النحو في جملة من يلقن من حضور الحلقة، ثم ذاكره بشئ من الاعراب ليختبر تقدمه، وقد كان يوسف ولده يفيد الطلبة في حياة أبيه كما يذكر ابن خلكان ولعله كان يعنى بالمبتدئين في العلم من حضور حلقة والده كالرضي.
فالرضي إذا حضر حلقة أبي سعيد، وهو صاحب القصة معه، وهذا لا يدفع أنه ربما استفاد من علم ولده يوسف الذي كان يفيد الطلبة في حياة أبيه، وإن كان لا يشعر نحوه بما يشعر به الطالب نحو أستاذه، فقصيدته في رثائه لا تدل على أنه يرثي أستاذا له، ولم يقلها الرضي فيه إلا ليحافظ على ما ضيعه الناس من الوفاء وما هكذا يفعل الرضي في رثاء أساتذته (2).
وقد سبقه إلى عد أبي سعيد السيرافي نفسه أستاذا للشريف، السيد الأميني في الغدير: 4 183، وسبقهما السيد الخوانساري في روضات الجنات في ترجمة أبي سعيد السيرافي: 3 73، وذكر: أن الثعالبي ذكر في ترجمة الشريف: أنه له في أبي سعيد مرثية وذكر ثلاثة أبيات منها ثم ترجم لابنه يوسف، وتبعه في هذا الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب: 2 340 ولا أدري كيف وقع له مثل هذا مع أن الثعالبي يصرح بان المرثي هو أبو محمد بن أبي سعيد (3) وهكذا صدرت القصيدة في ديوان الشريف (4).
وهذه إحدى المشكلتين. وهناك مشكلة أخرى، وهي أن الشريف قد ذكر من قرأ عليهم وهم:
1 علي بن عيسى بن الفرج، أبو الحسن الربعي، الشيرازي، ثم البغدادي 328 940 420 1029 وتوفي الشريف، والربعي كان لا يزال حيا.
2 أبو الفتح عثمان بن جني، الموصلي، ثم البغدادي ح 327 939 392 1002.
وقال الشريف نفسه: وقال لي شيخنا أبو الحسن علي بن عيسى النحوي، صاحب أبي علي الفارسي، وهذا الشيخ كنت بدأت بقراءة النحو عليه قبل شيخنا أبي الفتح عثمان بن جني، فقرأت عليه مختصر الجرمي وقطعة من كتاب الايضاح لأبي علي الفارسي، ومقدمة أملاها علي كالمدخل إلى النحو... (5).
ووجه المشكلة أن الشريف إن كان قد قرأ على السيرافي، الأب، أو الابن، أيا كان، فلماذا لم يشر إليه؟
وقال شيخنا النوري: وظاهره أنه لم يقرأ على السيرافي، وإلا لأشار إليه، مع أنه عند وفاة السيرافي الأب، وهكذا فسره بالأب كان ابن تسع سنين، كما يظهر من تاريخ ولادة الأول ووفاة الثاني ثم حكى ما حكاه ابن خلكان، فقال: وفي قوله: فلقنه النحو مسامحة (6).
والذي أراه في حل المشكلة الأولى التأكيد على مدلول ابن السيرافي!
فان إضافة ابن إنما جيء بها للتعريف، والتعريف بالإضافة إلى الأب السيرافي لا يصح إلا إذا كان الأب قد بلغ من الشهرة المبلغ الذي يعد أشهر من يحمل العنوان، فيعرف به من يضاف إليه ابنا كان أو أخا أو غيرهما، وهذا يعني: أن المشتهر يومذاك بالسيرافي كان هو الأب، لا الابن الذي حضر الشريف مجلسه، وهذا لا يصح إلا إذا كان الأب أبو سعيد السيرافي نفسه، لا أبوه بهزاد المجوسي الذي عاش في سيراف، والذي أسلم وسماه ابنه عبد الله، عاش مغمورا ومات مغمورا، ولو لم يبلغ ابنه أبو سعيد ما بلغه لم يسمع بذكره أحد. وبهذا يكون الذي حضر عنده الشريف ابن أبي سعيد السيرافي أبا محمد، لا هو نفسه. وليست المشكلة تدور حول قصر السن أو قلة الذكاء، فإنه لا مناقشة في شدة ذكاء الشريف وحدة فطنته، وقصر سنه لم يمنعه من الحضور على الشيخ المفيد كما سيأتي وسيأتي أن عمره كان يومذاك في حدود السادسة.
ولم أجد فيما أملك من المصادر قراءة ابن جني على أبي سعيد السيرافي، وإنما الذي تتفق المصادر كلها عليه أنه قرأ على أبي علي الفارسي، في صحبة دامت أربعين سنة، صحبه في أسفاره، وخلا به في مقامه (7)، ويذكر ابن ماكولا أن ابن جني سمع جماعة من المواصلة والبغداديين (8)، إلا أن أحدا لم يذكر أنه كان فيهم أبو سعيد السيرافي.
ولا نملك أي حجة تدلنا على قراءة الشريف على السيرافي، سواء أكان الأب أم الابن، سوى ما تدل عليه النادرة المروية عنه في علامة النصب في كلمة عمر، وهي لا تدل إلا على أنه حضر مجلس الابن دون الأب، وبهذا لا أجد أي مبرر لما احتاط الدكتور الحلو في رأيه حينما ارتأى أن الشريف قرأ على الأب، وأضاف: وهذا لا يدفع أنه ربما استفاد من علم ولده يوسف.
ولا يلزم أن تكون القراءة على الابن أنها كانت بعد وفاة الأب بل أرجح أنها وقعت في حياة الأب، وفيما يقرب من تاريخ حضوره على شيخنا المفيد كما سيأتي وإنما اختير له الابن وكان يفيد الطلبة في حياة أبيه (9)، أن الأب يومذاك كان قد بلغ من العمر عتيا، ومن الشخصية العلمية ما ارتفع بها