عليها الرضي شعره ولم ينضح بها قريضه (1).
وأقول:
إن الشريف قد جعل من شعره وسيلة للتعريف بنفسه، خاصة فيما يريد له الإذاعة والظهور، ولأجل هذا لا نجد في شعره ما نجده في شعر كثير من شعراء الشيعة الذين وقفوا شعرهم لبيان عواطفهم وأحاسيسهم المذهبية أو جعلوا ذلك أحد أهدافهم الرئيسة، ولم يكتفوا بالافصاح عن ذاتياتهم الخاصة فلا نجد في شعره مديحا خالصا لرسول الله ص، ولا لأبيه أمير المؤمنين، وأمه الصديقة الطاهرة ع، وهو في هذا يختلف عن العوني، وابن حماد، والناشئ، وقبلهم الكميت، ودعبل، وأضرابهم، فنجد شعرهم شيعيا بل ويختلف عن أخيه الشريف المرتضى أيضا، فهؤلاء شيعة، والتزموا أن يكشف شعرهم عن عقيدتهم، وأن يكون معبرا عن تشيعهم، في حين أن الشريف كان شاعرا شيعيا، كأبي تمام، وابن الرومي، وأمثالهما.
ولم يشتهر الشريف بالأدب المذهبي، وخاصة في أدب الرثاء الحسيني، الشهرة التي تجعل المغمورين يحاولون أن يلصقوا آثارهم به فينحلون شعر غيره إياه، كي يرتضيه السامعون إذا تلي عليهم منسوبا إلى الرضي فيروج عندهم!
والنائحون والنائحات، وقراء المآتم، ومنشد ومجالس العزاء الحسيني إنما يهتمون بمضمون الشعر ومدى تأثيره على السامع أكثر ما يهمهم الشاعر نفسه، بل إن الشاعر يغفل عنه غالبا عندهم وعند السامعين على سواء، فلا يسمونه إلا نادرا، ولأغراض خارجة عن إطار القراءة وإقامة المآتم.
ولا يسعني أن أتجاوز هذا الموضوع إلا وأن أذكر واحدا من هؤلاء، وقد أدرك عصره الشريف، وسمع الكثير من شعره، وهو الناشئ البغدادي، علي بن عبد الله بن وصيف 271 884 366 976 صاحب المراثي الكثيرة في أهل البيت (2) قال معاصره وصديقه وحاكي سيرته وقضاياه، الحسين بن محمد الخالع، الأموي نسبا، البغدادي، 333 945 422 1031: وكان الناشئ قؤوما بالكلام والجدل، يعتقد الإمامة ويناظر عليها بأجود عبارة، فاستنفد عمره في مديح أهل البيت حتى عرف بهم، وأشعاره فيهم لا تحصى (3) كثرة وراجع قضاياه، بل وكراماته في النوح بشعره في ياقوت: 5 240 241، لسان الميزان:
4 239 240، وإذا أردت نموذجا لما كان يناح به يومذاك في المآتم، بل وإلى قرابة قرنين بعد ذلك العصر، وهو عصر الخطيب الخوارزمي، الموفق بن أحمد الحنفي 484 1091 568 1172، ونموذجا أيضا لشعر الناشئ، فارجع إلى ما حكاه الخطيب الخوارزمي من شعره في مقتل الحسين ع: 2 145 147 صدره بقوله: وللناشئ علي بن وصيف، مما يناح به في المآتم.
وأنا أعجب من الدكتور أنه يعمد إلى أبعد الاحتمالات من الواقع، وأقربها إلى عالم الخيال والوهم، فيختاره، ويغلب ظنه عليه، وهو أن شاعرا مغمورا له القدرة على مجاراة الشريف الرضي، ولكنه ينسى نفسه ولا يشيد بمقدرته الشخصية، بل يتقمص الشريف الرضي، ويقلده في قصيدة عدد أبياتها اثنان وستون بيتا، يوفق في ذلك، إلا في عدة أبيات!! فلم لم يسلم الدكتور بان الرضي نفسه هو القائل، وأنه هو الذي خانه التوفيق إن كان الدكتور مصرا على هذه الخيانة!!.
ولا تفسير لهذا الاختيار الشاذ عندي سوى أن الاعلام الصدامي يرضيه هذا الاختيار، مهما كان بعيدا متكلفا فيه، ويغضبه إذاعة الواقع، وإن دلت عليه الحجة، وكان هو التفسير الطبيعي والمعقول المقبول.
وأنا أعجب أكثر من قوله: وفضحه حشو القصيدة بعقائد لم يمرن عليها الرضي... كيف لم يمرن عليها الشريف، وقد مر قبيل هذا نموذج من قول الشريف، ولا أظن أن الدكتور لم يقرأ بائية الشريف التي حكينا أبياتا منها قبيل! والدكتور نفسه قد قرأ ما قاله صاحب نسمة السحر، ويحكي عنه جملة من قوله في هامش 51 52 من التصدير.
وآخر ما أقوله: إن الاعلام الصدامي لم يرد لنفسه أن يكون ناشرا للمقصورة، ولا للشريف أن يعرف بأنه القائل لها، فحذفها من الديوان ثم أوحى إلى من أوحى بان يضع المعاذير لذلك!! بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره (4).
والكلمة الأخيرة: أنا إن سلمنا جدلا بان ما قاله الدكتور الحلو حول المقصورة كله صحيح لا مطعن فيه لطاعن، ولكنه بحذفه المقصورة قد فتح الباب لنوع من التحريف السافر، والتلاعب المعلن به بالكتب والآثار، لم يسبق أن فتحه قبله أحد! فان القاعدة الأساسية المتبعة في نشر النصوص والدكتور نفسه من أمس من يتصل بها ويعرفها، بحكم عمله في قسم المخطوطات في جامعة الدول العربية الاحتفاظ بالنص في صورته الأصلية التي أرادها المؤلف له، وعمل المحقق والناشر لا يعدو تقويم النص وإعطاء أقرب صورة وأوثقها إلى التي اختارها المؤلف.
والدكتور قد تولى نشر ديوان الرضي لا على أساس أنه هو الذي جمعه، فله أن يختار ما وثق بنسبته إلى الشريف، ويحذف ما كان على ريب من ذلك، بل على أساس أنه ناشر لعمل جامع آخر، وهو الخبري الذي تولى الجمع، والطبعة نفسها تحمل هذا العنوان: صنعة أبي حكيم الخبري، والتزاما منه بالأمانة العلمية احتفظ الدكتور بنظام الخبري القائم على أساس الأغراض، لا التنظيم على أساس حروف القوافي، الذي حول الديوان إليه في كثير من مخطوطاته كما يذكر الدكتور في التصدير وهكذا في طبعاته السابقة، ومنها الطبعة البيروتية الأولى. ولا شك أن الخبري ويسلم بذلك الدكتور قد أثبت المقصورة في الزيادات التي ألحقها بالديوان.
فأقصى ما هو المسموح به للدكتور أن يبدي ريبه من نسبة المقصورة إلى الشريف، في التصدير أو عند ما تأتي في صلب الديوان، كما صنعه بعض النساخ أو القراء، وحكى الدكتور صنيعهم في التصدير. وصنيع الدكتور قد تجاوز كل هذه الاعتبارات، وخرق السنة المتبعة في الاحتفاظ بالنصوص على