مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٦٦
لا يمكن أن لا يعرف وجوه أصدقائه، وأكفهم، لكن هل يكفي ذلك لمعرفة ما وراء الدخائل؟ وأيا ما كانت معرفة الشريف الرضي بالأصدقاء والخلان، فان غدرهم يجرحه جرحا لا مثيل له، دائم النزف، لأن معرفته المخذولة تطرق أوتار نفسه الحساسة المرهفة، فيكون الأنين مثل صوت ريح البادية: حزينا، حزينا، حزينا، كروح مسمرة في النكبة!
هل كانت معادلة الشريف الرضي، معادلة الناس الذين هم مثله في صفاء الاحساس والذكاء النادر؟
ولعل سمات المحب العظيم، غير هذه السمات: الحب الخارق للأم، والحب العنيف للأصدقاء، وحب البشر، والحياة، والسمو بالنفس نحو المثل والمبادئ ونحو أخلاقيات الشرف؟ وهل مي غير الرهافة، والسخاء، والشجاعة، والموهبة، فلماذا، إذا تجمعت لدى امرئ تعرض لغدر الصديق، غدر الجبان، فينام الجبان على وسادة جبنه، ويظل هو شاكيا للزمان اغترابه؟
ويربط الشريف الرضي، كل شئ بالأصول، فان أوضح ذلك، في شعره بالسببية، فقد فعل، وإن أوضح ذلك بالتجاور فقد أوما، وقد قال:
وأول لؤم المرء لؤم أصوله * وأول غدر المرء غدر خليل فالله، الله، لمن توحدت في نفسه أيكة الأصل الشريف، ومحبة الخلان!
ولله، ما يلقى من غدر من لؤمت أصوله، ومن يضع السم في كأس صاحبه وصديقه وخليله!
فطارت شكوى الرضي إلى الجوزاء، وإلى جميع محطات ذاكرة الزمن، فتشاكل الشجو والشجن والشكر في ناموس البلاء، والله الحي الشاهد:
أشكو النوائب ثم أشكر فعلها * لعظيم ما ألقى من الخلان وإذا أمنت من الزمان فلا تكن * إلا على حذر من الاخوان وكذلك قال عن معاناته من نفاق الأصحاب:
فكم صاحب تدمى علي بنانه * ويظهر أن العز لثم بناني يضم حشا البغضاء عند تغيبي * ويجلو جبين الود حين يراني مسحت بحلمي ضغنه عن جنانه * فلما أبى مسحته بسناني سبقت برميي قلبه فأصبته * ولو لم أصبه عاجلا لرماني وقال:
لحا الله دهرا خانني فيه أهله * وأحشمني حتى احتشمت الأعاديا فلست أرى إلا عدوا مكاشفا * ولست أرى إلا صديقا مداجيا وفي وحشة الوحدة، وهو يحتاج الأرض بهمته ومجده وعلو شانه، وآماله الكبيرة، يصدحه الخذلان فيرى نفسه وحيدا ليس له صديق، إذن ليس له منزل أو سكن! لكن: متى كانت لكبار النفوس مساكن؟
وظل الشريف الرضي، شاعر القلب والحكمة، يحل ثنائية التفجع بين حاجته إلى الصديق، وبين حرمانه من وفاء الأصدقاء إلا من قلة نابهين أجلاء في شكوى الدهر والزمان، وكان يتساهل في فجائع وأزمات كثيرة، لكن انعدام وفاء الأصدقاء كان ينقله فورا إلى مخاطبة الدهر الخائن، لأن الصداقة حلت في قلبه وعقله محلا لا أعلى منه ولا أرقى، فان قل الصديق كان الدهر مسؤولا عن ذلك:
توقعي أن يقال قد ظعنا * ما أنت لي منزلا ولا سكنا يا دار قل الصديق فيك فما * أحس ودا ولا أرى سكنا ما لي مثل المذود عن أربي * ولي عرام يجرني الرسنا ألين عن ذلة ومثلي من * ولي المقادير جانبا خشنا معطلا بعد طول ملبثه * منازلا قد عمرتها زمنا تلعب بين النائبات واغلة * كما تهز الزعازع الغصنا أيقظن مني مهندا ذكرا * إلى المعالي وسائقا أرنا كيف يهاب الحمام منصلت * مذ خاف غدر الزمان ما أمنا لم يلبث الثوب من توقعه * للأمر إلا وظنه كفنا أعطشه الدهر من مطالبه * فراح يستمطر القنا اللدنا لي مهجة لا أرى لها عوضا * غير بلوع العلى ولا ثمنا وكيف ترجو البقاء نفس فتى * ودأبها أن تضعضع البدنا أكر طرفي فلا أرى أحدا * إلا مغيظا علي مضطغنا ينبض لي من لسانه أبدا * نصال ذم تمزق الجننا إن الصراع يشتد، وتضاف إلى أسبابه أسباب جديدة.
وسيرى الشريف الرضي نفسه شاردا في البلاد دائما، منكورا، محروما، جريحا لأن حبل الوفاء، أنى ذهب وتوجه، يتصرم كاللعنة:
أأنكر والمجد عنوانيه * ومخبرتي عند أقرانيه ويعرف غيري بلا ميسم * مبين ولا غرة ضاحيه ألا قاتل الله هذا الأنام * وقاتل ظني وأماليه ودهرا يمول ذلاته * ولا يذخر العدم إلاليه إذا ما تماثلت من غصبة * أعاد المرار فسقانية فيا ليت حظي من ذا الزمان * رد نوائبه الجارية زمان عدا العي أبناءه * فأفصح من ناطق راغيه سؤالا فهل يخبرني سالف * من العيش قطع أقرانيه ألا أين ذاك الشباب * الرطيب أم أين لي بيض أياميه مشى الدهر بيني وبين النعيم * ظلما وغير من حاليه نظرت وويل أمها نظرة * ببيضاء في عارضي باديه يقولون داعية للشباب * فقلت ولكنها ناعيه ألا قطع الناس حبل الوفاء * وأولع بالغدر خلانيه وصرت أعدد في ذا الزمان * صديقي أول أعدائيه أضر الأنام لي الأقربون * وأعدى الورى لي جيرانيه إلى كم أخفض من عزمتي * وكم يأكل العضب أغماديه فلله عزمي لو أنه * على قدر عزمي سلطانيه ستسمع بي شاردا في البلاد * لأمر أغير إنسانيه وقد أغتدي غرض * النائبات لا يتقي الروع إلا بيه نديما جذيمة لي في البلاد * نديمان والظلمة الداجية ومما يزيد في تأثير غدر الأصدقاء والخلان على نفس الشريف الرضي مرارة، أنه شديد اللهفة على الصديق، فروح الصداقة تغزو دمه وأعصابه، وذهنه، وقلبه. وتبدو آثار قسوة الخيانة، أو الجفاء شديدة عليه إذا ما علمنا
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370