وبالصورة الواحدة، وبالأجل الواحد الذي لا مبدل له.
فالعربي سيف، والسيف عربي، وهما منذ الأزل العربي كائن واحد، لا يصلح هذا بغير ذا ولا ذا بغير هذا. وان مجرد القول ب هذا وذاك يعني المباعدة التي لا تقبل.
وإنها لحقيقة تاريخية مؤكدة أن العرب حينما وكلما نسوا وتناسوا معنى القوة في هذه المطابقة بين العربي وسيفه، كان السقوط مصيرهم المداهم.
ففترة الازدهار العربي هي فترة تطبيق المقولة التي جلجل بها الشاعر الشريف ابن الشريف. أما فترات الانحطاط، والانهيار، فهي التي افترق فيها العربي عن سيفه، في تياه الغفلة.
أما: ماذا قالت القصيدة قبل أن تصل إلى حكمة البيت المذكور، فذلك ما يعنيه التدرج العزيز لمرقى الحب المفجوع الذي يبتدئ بقوة حكمة المطلع، فتأتي الأبيات المتلاحقة وكأنها مطالع وخواتيم زاهرة ومضربة حيثما تواصلت مظنة العبقرية للشاعر الملهوف الذي وضعه العز الطرب والخذلان مثل زيت يحترق:
لأي حبيب يحسن الرأي والود * وأكثر هذا الناس ليس له عهد أرى ذمي الأيام ما لا يضرها * فهل دافع عني نوائبها الحمد وما هذه الدنيا لنا بمطيعة * وليس لخلق من مداراتها بد تحوز المعالي والعبيد لعاجز * ويخدم فيها نفسه البطل الفرد أكل غريب لي بعيد بوده * وكل صديق بين أضلعه حقد ولله قلب لا يبل غليله * وصال ولا يلهيه عن خله وعد يكلفني أن أطلب العز بالمنى * وأين العلى إن لم يساعدني الجد أحن وما أهواه رمح وصارم * وسابغة زغف وذو ميعة نهد وليس فتى من عاق عن حمل سيفه * أسار وحلاه عن الطلب القد إذا كان لا يمضي الحسام بنفسه * فللضارب الماضي بقائمه الحد وحولي من هذا الأنام عصابة * توددها يخفى وأضغانها تبدو يسر الفتى دهر وقد كان ساءه * وتخدمه الأيام وهو لها عبد ولا مال إلا ما كسبت بنيله * ثناء ولا مال لمن لا له مجد وما العيش إلا أن تصاحب فتية * طواعن لا يعنيهم النحس والسعد إذا طربوا يوما إلى العز شمروا * وإن ندبوا يوما إلى غارة جدوا وكم لي في يوم الثوية رقدة * يضاجعني فيها المهند والغمد ولو شاء رمحي سد كل ثنية * تطالعني فيها المغاوير والجرد ألا ليت شعري هل تبلغني المنى * وتلقى بي الأعداء أحصنة جرد جواد وقد سد الغبار فروجها * تروح إلى طعن القبائل أو تغدو خفاف على إثر الطريدة في الفلا * إذا ماجت الرمضاء واختلط الطرد كان نجوم الليل تحت سروجها * تهاوى على الظلماء والليل مسود يعيد عليها الطعن كل ابن همة * كان دم الأعداء في فمه شهد يضارب حتى ما لصارمه قوى * ويطعن حتى ما لذابله جهد تقرب لا مستحقبا غير قوته * ولا قائلا إلا لما يهب المجد ولا خائفا إلا جريرة رمحه * ولا طالبا إلا الذي تطلب الأسد إذا عربي لم يكن مثل سيفه * مضاء على الأعداء أنكره الجد ويأخذ التصعيد مداه في البيت الأخير، ويلحقه بصورة ثانية:
وما ضاق عنه كل شرق ومغرب * من الأرض إلا ضاق عن نفسه الجلد ثم يبدأ ذكر الاحباط، وترتد الصور الشعرية إلى الحزن الشخصي، والغربة التي لا تفارق:
إذا قل مال المرء قل صديقه * وفارقه ذاك التحنن والود وأصبح يغضي الطرف عن كل منظر * أنيق ويلهيه التغرب والبعد فما لي وللأيام أرضى بجورها * وتعلم أني لا جبان ولا وغد تغاضي عيون الناس عني مهابة * كما تتقي شمس الضحى الأعين الرمد فائدة: المال مادة الشهوات إن قضية الخلافة التي سيرت الشريف الرضي في دروب الاغتراب، والاحباطات القوية، تختلف من حيث المطالبة بها أو الاعتقاد بالحق فيها من راغب إلى طالب، ومن شخص إلى آخر. فهي قد تكون لدى البعض نمطا من شهوة السلطة التي تحرك المطالبة بها بقوة الدوافع والتطلعات السياسية الذاتية، وهي في الغالب تجمع عدة شهوات ورغبات تسلطية وتملكية متعددة، تكون بؤرتها الكبرى والأساسية شهوة السلطة، والرغبة بالامارة، وترافقها شهوة تملك المال والثروات المادية بأنواعها لكي تخدم الأموال والأملاك مشروع الامارة، وتجسد الرغبات الذاتية السرطانية المتمثلة في الاحتياز والسيطرة وتملك الرقاب والأموال على حدي سواء.
وبلا شك إن الموقف من المال يعكس إلى درجة كبيرة الطبيعة السياسية والأخلاقية لدعاة السلطة، والامارة. لأن فهم فائدة المال ومكانته وحدوده يكشف عن طبيعة الشخص ومواقفه، وآرائه، ونوع علاقاته بالبشر وبالحياة.
وبتعبير عام إن الأفكار التي تتعلق بالمال وسبل اقتنائه وزيادته، وسبل استخدامه وتوظيفه أصبحت تشكل منذ القدم نظرية محددة. لذلك حفلت الكتب المقدسة وأحاديث الأنبياء والمصلحين بمفاهيم وتحليلات وتعليمات عديدة حول المال.
والخلافة في فكر وتطلب الشريف الرضي، رغم تكتمه الشديد في موضوع المناداة بها، ورغم أنها أخذت أسلوب التورية أكثر من الافصاح، هي أقرب إلى الرسالة منها إلى رغبة الحكم، وذلك لأنها متجردة إلى حد بعيد من شهوة السلطة. ويدعم الرأي المذكور موقف الشريف الرضي من المال والمنافع المادية، وهو موقف تعلن عنه قصائده في العديد من المرات، مما يوحي بوجود رؤية محددة ثابتة للشريف الرضي في هذا الخصوص. وتتوحد مع الرؤية ممارسة تطبيقية تعلن عن تجرد الشريف الرضي من كثير من الشهوات التسلطية والتملكية، النابغة حكما من أنانية مفرطة التضخم و العدوانية.
وتستلهم أفكار الشريف الرضي، الواردة في شعره، عن المال، الكثير من أفكار علي بن أبي طالب، إن لم تكن كلها في هذا الميدان.
وتأخذ حكمة علي بن أبي طالب القائلة: من ملك استأثر مكانة مهمة