مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٥٢
كل ذلك ساعد على الانحلال الاجتماعي، بحيث صارت محلات القيان والغلمان أمرا معتادا يتردد عليها الناس، ويرتادها الكثيرون، وتطرح فيها الحشمة. وكانت مجالس الأشراف والوزراء تالف هذا النوع من الحياة التي أصبح فيها المجون والخلاعة نوعا من الترف الحضاري، والتظرف الاجتماعي.
وكان الوجه الآخر للترف والمجون انتشار البؤس والفاقة، في القاعدة الاجتماعية العريضة، وعيش العلماء البعيدين عن السلطة في حرمان وفاقة.
فكان أن هجر بغداد مثلا عبد الوهاب المالكي، وقذف في وجه عصره بأشنع وصمة، وهو يقول لمودعيه: لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة وعشية، ما عدلت عن بلدكم لبلوغ أمنية.
إن اجتماع الفقر والفساد الأخلاقي والثراء الفاحش خلق وسطا صالحا للتأثيرات المنافية للدين الاسلامي وللتقاليد العربية الاسلامية.
فكان الزهد موقف الرفض التام للانحرافات الشاذة التي طعنت الاسلام والعروبة في الصميم. وكان على مراتب ودرجات. وهي في مجموعها تهتدي بسلوك النبي الكريم المعروف بزهده وتقشفه. وقد كان الحديث النبوي:
اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا هو المقياس الذي حدده الاسلام، وهو التقوى على أساس العمل للدارين لا تقوى المترهبين المستغرقين في التأمل والعبادة. وقد استطاع الاسلام أن يحقق المثل الأعلى الذي صوره نظريا للشخصية المسلمة. فتجلى في كثير من صحابة رسول الله ص ذلك الطراز العامل لدنياه وآخرته، المتعاون في سبيل خلق الحياة الصالحة لأفراد مجتمعه.
وقد استلهم الشريف الرضي نظرته إلى الدنيا من القرآن الكريم: يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.
فقال الرضي في شعره ما لي إلى الدنيا الغرورة حاجة * فليخز ساحر كيدها النفاث طلقتها ألفا لأحسم داءها * وطلاق من عزم الطلاق ثلاث سكناتها محذورة وعهودها * منقوضة وحبالها أنكاث أم المصائب لا يزال يروعنا * منها ذكور نوائب وإنشاث إني لأعجب من رجال أمسكوا * بحبائل الدنيا وهن رثاث كنزوا الكنوز وأغفلوا شهواتهم * فالأرض تشبع والبطون غراث أتراهم لم يعلموا أن التقى * أزوادنا وديارنا الأجداث أما ثالث العناصر المكونة للاغتراب الروحي للشريف الرضي فهو تفوقه العقلي، وتمتعه بمؤهلات ومزايا شخصية كبيرة تتناسب مع دوره الطليعي ورسالته الدينية والاجتماعية.
وقد تجلت الجدارات العقلية والأدبية، ورهافة الشعور، وشجاعة الطبع في الشريف الرضي منذ طفولته، فكانت غربة الذكاء النادر من سماته الأولى، فقد قال من أحسن الشعر وهو في العاشرة من عمره، وكانت غربة الاحساس الصقيل، الانفعالي المرهف قد بكرت معه منذ طفولته، فلا عجب أن زار الشيب شعر رأسه في العشرين، وشيب الرأس من شيب الفؤاد.
فإذا ما جاز تشبيه الناس بالمعادن، فان الشريف الرضي كان من أكرمها وأغناها، وفي حديث نبوي: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، فخيارهم في الجاهلية، خيارهم في الاسلام إذا فقهوا.
وقد توفرت في الشريف الرضي صفات ذهبية متكاملة من ذكاء، وشجاعة، وكرم وسخاء ورهافة حس، وحب للناس، وقد شملته عاطفة غامرة، كان يجود بها على الأصدقاء والأقربين ففاض بها شعره مثلما فاضت بها نفسه.
وكما في كل العصور فان الشخص المتفوق، المرهف، المبدع، يجد نفسه غريبا بين أوساط من الناس الذين تتجاذبهم الأطماع والأهواء، الذين ينعقون مع كل ناعق، ولا يعرفون للحق سبيلا.
ويشهد التاريخ أن العوام الذين لم تشملهم الهداية وعوامل التغيير الثقافي الإنساني، هم الذين حاربوا وطاردوا الرسل والأنبياء والصالحين وذوي الكرامات والمتقدمين المبرزين على طريق الفلاح.
ولم يكن الشريف الرضي في غربته الروحية أقل بلاء من الذين امتحنهم البلاء فما ازدادوا إلا صلابة وإيمانا.
وأول غربة في طريق الاغتراب الروحي الطويل كانت غربة النفس، والتي قال فيها الشاعر الرضي:
النفس أدنى عدو أنت حاذره * والقلب أعظم ما يبلى به الرجل وكانت قصيدة هذا البيت تذم الزمان، الذي لم تنقض فيه الحاجات في حين كان الشباب يولي مسرعا:
ولى الشباب وهذا الشيب يطرده * يفدي الطريدة ذاك الطارد العجل ما غازل الشيب في رأسي بمرتحل * عني وأعلم أني عنه مرتحل من لم يعظه بياض الشعر أدركه * في غرة حتفه المقدور والأجل من أخطأته سهام الموت قيده * طول السنين فلا لهو ولا جذل وضاق من نفسه ما كان متسعا * حتى الرجاء وحتى العزم والأمل إن نفس الشريف الرضي المشدودة بالأيام الأولى التي لا عودة لها، لم تجد في بقاء الحياة أي أمل:
وكيف نأمل أن تبقى الحياة لنا * وغير راجعة أيامنا الأول وتبعا لثقافة الشريف الرضي فان أفكاره عن النفس متصلة اتصالا وثيقا بثقافته القرآنية، أولا، وبتجربته الشخصية ثانيا.
ويعد قول الرسول: أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك هي المؤشر الرئيسي الذي تلقفه الثقات، الذين وضعوا نصب أعينهم هدفا كبيرا وهو تطهير النفس، وتحريرها من كل الموبقات والشوائب والسلبيات. فالتطهير هو الطريق إلى معرفة النفس، وأن الجهل بالنفس هو في واقعه اتباع هواها والانخداع برغباتها.
وحينما كان الشريف الرضي يعقد موازنة بين عداوة الناس وعداوة النفس، كان يرى أن نفسه أعدى له من جميع الناس، ويقول في ذلك:
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370